Исламская империя и священные места
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Жанры
كيف استقرت الإمبراطورية كل هذه القرون؟ ... وما بالها لم تهب عليها ريح الفناء التي هبت على إمبراطورية الإسكندر وعلى إمبراطورية المغول؟ ليس تفصيل هذه الأسباب مستطاعا في مثل موقفي هذا، لكني أستطيع أن أجمل هذه الأسباب في سبب واحد؛ ذلك أن العرب لم يندفعوا إلى الغزو، تحركهم مطامع مادية صرفة، بل اندفعوا إليه مؤمنين بأن القدر ألقى عليهم رسالة وأوجب عليهم تبليغها للناس كافة لخير الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها. وهذا الإيمان هو الذي أقام الإمبراطورية، وهو الذي أبقاها ما بقيت من القرون. فلما اضمحل هذا الإيمان بدأ الانحلال يدب في أرجاء الإمبراطورية، يمزقها وينتهي بها إلى مثل ما انتهت إليه الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الفارسية.
لم تكن هذه الرسالة، التي آمن العرب بأن القدر ألقى عليهم تبليغها للناس، شيئا آخر غير رسالة الحرية والإخاء والمساواة في أسمى صورة يدركها العقل لمعاني الحرية والإخاء والمساواة؛ فإله الناس إله واحد، والناس متساوون أمام هذا الإله الواحد، لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى، وهم إخوة في هذه المساواة، يشد بعضهم أزر بعض، وهم مع هذا الإخاء وهذه المساواة أحرار لا سلطان عليهم لغير الله. أما وهذه المبادئ مقدسة، فكل نظام يوضع للجماعة يجب أن يقوم على أساسها، فلا يكون لخليفة المسلمين وأمير المؤمنين امتياز على أحد من رعاياه، بل إن عليه لواجبا أن يخدم هذه المبادئ المقدسة أو يكون قد خالف ما أمر الله به.
المبادئ السامية سر القوة
انتشرت هذه المبادئ في شبه جزيرة العرب لعهد النبي العربي، فحطمت في النفس العربية تقاليدها البالية التي أورثتها إياها عبادة الأصنام، وردت إليها هذه الحرية الروحية العزيزة على نفس العربي، فاندفع إلى الشام وإلى العراق مؤمنا بها. وهناك - على ضفاف دجلة والفرات، وعلى ضفاف بردي، وبين جبال لبنان الرفيعة - لقي العرب نظاما اجتماعيا ونظاما سياسيا بلغا من الهرم والانحلال مبلغا صرف الناس عن التحمس لهما والدفاع عنهما؛ لذلك لم تحرك فرق الجند من الفرس ومن الروم فكرة تدافع عنها في قتالها العرب.
بل كانت هذه القوات تذهب طوعا لأمر السادة الحاكمين، وقل أن حفزت الطاعة للحاكم، وحدها، إلى تضحية وإن قلت! ما بالك والجندي يسير إلى ميدان القتال ليضحي بحياته، وليترك من بعده أهله وأبناءه بين أيم تندبه، ويتيم يتلفت يمنة ويسرة فلا يجد ما هو في أشد الحاجة إليه من حنان ورحمة!
فلما استقر المسلمون في البلاد التي فتحوها، أقروا هذه المبادئ السامية بين أهلها، وجعلوا التسامح الديني أساس حكمهم حيثما نزلوا، فلم يكرهوا أحدا من أهل البلاد المفتوحة على الإسلام، وأباحوا للناس من ألوان الحرية ما كان معروفا في ذلك العهد، والحرية العقلية، وحرية القول، في مقدمة ما أباحوا. واحترموا شعائر الجميع وعقائدهم، وجعلوا العدل بين المسلم وغير المسلم أساس الحكم.
فلما رأى الناس ذلك، ورأوا المسلمين أنفسهم يستمتعون من ألوان الحرية العقلية والحرية العامة بما لم يكن له وجود من قبل في بلاد الروم ولا بلاد العرب، كان ذلك داعيا لهم إلى الدخول في الدين الجديد، والتمتع بما قرره من مبادئ الحرية والإخاء والمساواة.
وقد كان للحرية العقلية ولحرية الرأي من القدسية ما يشهد به اجتهاد المشترعين والفقهاء في القرون الأولى، وما يدل عليه ما نقل من كتب الفلسفة اليونانية وما أخذ به المفكرون والفلاسفة الإسلاميون من مبادئ هذه الفلسفة اليونانية وما أضافوه إليها من عندهم. (3) أسباب التدهور
ظلت الإمبراطورية الإسلامية قائمة قوية ما جعلت هذه الرسالة الإنسانية السامية غايتها. ولقد كانت موشكة أن تنشئ على أساس من هذه الرسالة، دولة عالمية تنتظم أمم ذلك العهد جميعا، لكن دورة الفلك دارت، فإذا الحرية انقلبت جمودا، وإذا الإخاء والمساواة يذبلان أمام سلطان الباطشين من الحكام المستبدين.
عند ذلك بدأ تدهور الإمبراطورية وانحلالها.
Неизвестная страница