Вера, знание и философия
الإيمان والمعرفة والفلسفة
Жанры
لهذا نزع كومت إلى الفلسفة وقصر نفسه أول الأمر عليها، وكان مما كتب في سنة 1824: «إني أعتبر كل مناقشة تقوم بشأن النظم من أتفه السفاسف، ما لم يكن نظام الجمعية من الوجهة الروحية قد كمل أو قارب الكمال».
2
طرافة كومت أنه جعل يبحث في العلم والفلسفة عن المبادئ التي يبنى عليها النظام الاجتماعي الذي كان غاية كل مجهوداته؛ وبذلك خالف معاصريه من المصلحين في الوسيلة، وإن اتفق معهم في الغرض. فهو مثلهم يريد وضع سياسة معينة. لكنه يريدها سياسة وضعية أساسها نظام أخلاقي ومذهب فلسفي وضعيان كذلك. ولئن كانت هذه السياسة هي علة وجود المذهب، ومن أجلها وضعه كومت فإنها إذا فقدت مبرر وجودها ومصدر سلطانها، وأصبحت من شوارد الخواطر. فالفلسفة لازمة لتكون أساسا للسياسة، كما أن السياسة لازمة لتكوين الفلسفة وبعث روح التناسق والوحدة فيها.
والآن فأي سبب دعا كومت ليتعرض لتلك المسألة الكبيرة التي شغلت أذهان كل معاصرية على نحو اختص به هو من دونهم؟ ليس في مقدورنا بسط ترجمته هنا بسطا مستفيضا يفيض على هذه المسألة نورا يجلوها، ولكنا نكتفي فنذكر أنه كان من أسرة كاثوليكية ملكية. وعلى الرغم مما ذكره من تركه عقائد عشيرته السياسية والدينية لأول ما بلغ الثالثة عشرة من عمره، فإن العقائد الدينية لم تمح من نفسه بمقدار ما كان يظن. فقد بقي كل حياته شديد الإعجاب بالكاثوليكية، وهو لا ينكر ذلك ولكنه يعزوه إلى ما تأثر به من كتابات جوزف دمتر. غير أنه مهما يكن قد تذوق كتاب (البابا) فإن هذا الميل الخاص يرجع بعضه إلى ما تركته الطفولة من آثار بقيت مستكنة في نفس حساسة سريعة التأثر.
وكانت الرياضيات أول ما اشتغل به ذهنه بطريقة جدية. فلما دخل مدرسة الهندسة؛ وقد قبل فيها وسنه دون السن القانونية بسنة، بدأ يدرس العلوم الطبيعية وجعل في الوقت نفسه يفكر فيما كتب مونتسيكو وكوندورسيه، ثم مال إلى الفلسفة بمعناها الحقيقي وانصرف إلى قراءة الأيقوسيين وفرجيزن وآدم سمث وهيوم، وتبين أن هذا الأخير أرقى من سائرهم بكثير. فلما خرج من مدرسة الهندسة بقي في باريس وجعل في وقت واحد يلقي دروسا تقوم بمعيشته، ويكمل دراسته العلمية بالتلقي على دلامير وبلانفيل والبارون تنار، وبإدمان قراءة فونتنل ودالمبرت وديدرو؛ ويمعن بوجه خاص في قراءة كوندورسيه الذي استجمع مادة فلسفة القرن الثامن عشر وأوضحها. وفيما كان يقرأ ديكارت ومن جاء بعده من كبار الرياضيين كان يتتبع بتمعن والتفات أعمال الطبيعيين والبيولوجيين أمثال لامارك وكوفييه وجال وكابانيس وبشا وبروسيه وكثيرين غيرهم، على أن علمه نما لهذه العلوم الجديدة من الأهمية الفلسفية مما أشار إليه ديدرو من قبل لم ينسه درس المسائل التاريخية والاجتماعية. فقد قرأ الأمليين
Les idéologues
أمثال المسيو بونالد - المفكر العظيم النشاط - وجوزف دمتر الذي ترك في نفس كومت أكثر من كل كاتب آخر، أعمق الأثر وأبقاه.
وإذن فلقد كان كومت، من قبل أن يعرف سان سيمون، ملما بقسم عظيم من المادة التي كانت قوام مبدئه في المستقبل. وذلك ما تشهد به رسائله إلى صديقه فالا. ولكن مؤلفاته لم تخرج إلى ذلك الحين عن موضعين مختلفين. فكان بعضها خاصا بالمسائل العلمية (الرياضيات والطبيعة والكيمياء والعلوم الطبيعية) والبعض الآخر أميل للمسائل السياسية (كالتاريخ والسياسة والمسائل الاجتماعية).
وقد التقى كومت بسان سيمون سنة 1818 فسحر به وتهالك عليه، وجعل يشتغل معه أربع سنوات كان في خلالها يحبه ويحترمه احترام التلميذ أستاذه، ويغذو نفسه من أفكاره ويشترك وإياه في مؤلفاته ومشروعاته، ويدعو نفسه (تلميذ المسيو سان سيمون)، لكنه انفصل عن هذا الأستاذ المحترم المحبوب في سنة 1822. فماذا ترى كان قد حصل؟
إن الأسباب التي تقدم بها كومت لم تكن إلا ذات أهمية ثانوية. ولكن الأستاذ وتلميذه كانا لا بد مفترقين عاجلا أو آجلا لما بينهما من التباين المطلق. فلقد كان سان سيمون لنبوغه وحدة خاطره يلقن بالكثير من الأفكار والآراء الجديدة التي ينتج في المستقبل أكثرها ويفرخ . ولكنه كان سريع الإثبات، قليل التدليل، ليس عنده من الصبر ما يسمح له بالوقوف طويلا عند موضوع معين؛ ليتعمق في النظر فيه نظرا مرتبا. أما كومت فكان على العكس من صاحبه يرى رأي ديكارت أن الفهم واجب كل الوجوب في المسائل العلمية، وأن (التماسك المنطقي) آكد دليل للحقيقة؛ لهذا لم يكن له أن يكتفي بمقالات سان سيمون المتقطعة زمنا طويلا، ولكنه أخذ ما صح من تلك الإلهامات المتواترة غير المرتبة، وإن حسب أن مذهبه إنما هو الذي أثبت لها قيمتها العلمية؛ لأن مذهبه هو وحده الذي استطاع أن يرتبها ويردها إلى أصولها.
Неизвестная страница