Имамат и политика
الامامة والسياسة
المجلد الأول
مقدمة التحقيق
كلمة عن الكتاب:
كتاب الإمامة والسياسة، أو ما يسمى بكتاب «تاريخ الخلفاء» كتاب مشهور يبحث في تاريخ الخلافة وشروطها بالنظر إلى طلابها من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد الأمين والمأمون.
وتظهر أهمية وقيمة هذا الكتاب «الإمامة والسياسة» كما يقول د. بيضون في مقدمة كتابه الحجاز والدولة الإسلامية: «في الإشارات ذات المحتوى الخاص، الذي ينفرد به عن الآخرين-تتجاوز أهميته من الناحية المنهجية، وذلك لخلوه من الإسناد، حيث تتردد عبارة «وذكروا» في مطلع رواياته، دون تحديد مصدرها الأساسي.
وتبرز أيضا أهميته في إبرازه ثورة المدينة ومعركة الحرة، من دون تطرف في موقفه من الأمويين ومن غير تحمس لخصومهم الشيعة. وأهم من ذلك فإن رواياته الحجازية-على ما يقرره د. بيضون-على جانب من الأهمية خاصة في عرضه للدوافع التي كانت وراء تعاظم النقمة على البيت الأموي، في أعقاب الأزمة الاقتصادية التي يبدو أنها استفحلت حينذاك في الحجاز والمدينة بشكل خاص» .
وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات في كل من مصر وبيروت، ومنه نسخ
Страница 7
خطية في مكاتب لندن وباريس، وبدار الكتب المصرية منه نسخة مخطوطة كتبت سنة 1297 ه.
وقد ظهر مؤخرا عدم اتفاق على اسم مؤلف هذا الكتاب، بعد أن شكك كثير من العلماء في نسبته إلى ابن قتيبة، وحيث أن بعضهم استبعد انتسابه إليه.
وكان أول من تزعم التشكيك بنسبته إلى ابن قتيبة المستشرق غانيغوس المجريطي ثم تبعه الدكتور دوزي في صدر كابه تاريخ الأندلس وآدابه. ويشير د. بيضون في صدر كتابه المتقدم أيضا إلى استبعاد انتسابه إلى ابن قتيبة، وأيضا السيد أحمد صقر في مقدمته لكتاب تأويل مشكل القرآن المطبوع بالقاهرة سنة 1973 حيث يقول: وقد نسب إلى ابن قتيبة كتاب مشهور شهرة بطلان نسبته إليه، وهو كتاب الإمامة والسياسة.
وقد استند د. دوزي في تشكيكه في نسبة كتاب الإمامة والسياسة إلى ابن قتيبة إلى أسباب عديدة أهمها:
-أن كثيرين ممن ترجموا لابن قتيبة لم ينسب إليه واحد منهم كتابا أو مؤلفا له بهذا العنوان. إلا القاضي أبو عبد الله التوزي المعروف بابن الشباط في كتابه «صلة السمط» .
-أن مؤلف الكتاب الإمامة والسياسة يذكر أنه استمد معارفه من أناس حضروا فتح الأندلس في سنة 92 ه، وأن موسى بن نصير غزا مدينة مراكش في زمن الرشيد، مع أن ابن قتيبة، ولد في سنة 213 ومات في سنة 276. ولم تبن مدينة مراكش إلا في سنة 454 في عهد سلطان المرابطين يوسف بن تاشفين.
-أسلوب الكتاب يختلف كثيرا عن أسلوب ابن قتيبة المعروف في كتبه.
-لم يرد ذكر في الكتاب لأي من شيوخ ابن قتيبة.
ومهما يكن من أمر فقد بقي كتاب الإمامة والسياسة محافظا على قيمته كأحد أبرز المصادر بما تضمن من نصوص يكاد يتفرد بها عن غيره من المصادر، مع الإشارة إلى أن هذا التشكيك الذي أصاب نسبته إلى ابن قتيبة قد أبعده عن لائحة المصادر الرصينة.
Страница 8
وليس لنا إلا أن نسجل بتقدير آراء هؤلاء العلماء دون الجزم بصحة ما ذهبوا إليه ونبقي مترددين باتخاذ موقف حاسم من هذه القضية المطروحة-والتي لم أقف فيما لدي من مصادر ومراجع على رأي قاطع بشأنها، ويبقى كتاب الإمامة والسياسة منسوبا لابن قتيبة إلى أن يثبت بشكل حاسم العكس.
فكتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة-رغم الشك بهذه النسبة-يبقى إذن مشهورا بتسجيله لحقبة تاريخية هامة بدأت مع وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مع التركيز على العهد الأموي-دون التحامل عليهم-إلى قيام الدولة العباسية حتى الأمين والمأمون.
عصر ابن قتيبة:
1-الحالة السياسية:
عاش أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في عصر بني العباس، في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، ولد في عهد المأمون، أيام كانت الدولة العباسية وهي في أوج مجدها وازدهارها، قد امتدت سيطرتها شرقا وغربا.
وقد واجهت سلطة المأمون سلسلة من الفتن والاضطرابات والحروب الأهلية، وقد تعرضت دولة المأمون لضربات محكمة من قبل الطالبيين. وقد عالجها المأمون- جميعا-بالقوة حينا وبالحكمة والسياسة حينا آخر. حتى استتب له الأمر. فاتجه إلى التنظيم الداخلي والبناء وأصبحت بغداد في عصره موئل العلماء والأدباء ومجلى مظاهر الحضارة الزاهرة.
وبعده جاء المعتصم، كان رجل حرب ولم يكن له دهاء المأمون ولا حكمته، وأدت سياسته إلى غلبة الأتراك على الجيش ثم على مراتب الدولة.
فاضطربت الأمور واختلت، ومهد ذلك للانحلال والضعف. وضعف مركز الخلافة وقلت هيبتها وتقلص نفوذها... ولم يستطع خلفاء المعتصم، رغم ما بذله المعتمد-حيث استعادت الخلافة في عهده بعض ما لها من نفوذ وسلطة-.
ولكن الأمور لم تستقر للدولة، بل أخذت الأطماع تتهددها من الداخل
Страница 9
والخارج، فكل ينتهز فرصته للنيل من الدولة، حيث أصبح الانحلال السياسي والاجتماعي العنوان البارز في مركز الدولة والأطراف.
2-الحياة الاجتماعية:
كان المجتمع البغدادي في عصر بني العباس يجمع خليطا من العناصر المختلفة والأجناس المتباينة ولم يكن العنصر العربي سائدا، مع احتفاظه لنفسه بمراكز القيادة والتوجيه بل كان يشاركه العنصر الفارسي ثم كانت المنافسة بين العنصرين والتي تحولت إلى صراع دموي كانت حصيلته انتصارا للعرب. وقد اتجه نشاط الأتراك إلى الجيش.
إلى جانب هؤلاء كانت جماعات الرقيق والموالي. وكانت كل جماعة من الأجناس المختلفة تمتهن مهنة برعت فيها. وقد تزاوجت هذه الخبرات-خبرات هذه الأجناس- والتقت وامتزجت عادات وتقاليد هذه الأجناس وكونت نسيجا مميزا تلونت عناصره واتحدت في اتساق ونظام واحد جمع بينها الذوق الإسلامي. واشتهرت بغداد بالترف الزائد والغنى وزخرف الحضارة، وتغلغل هذا في حياة الناس.
وعمرت بغداد بقصورها، ومجالس شرابها وحاناتها، وانتشر اللهو في الأعياد والمناسبات، وشرب الناس الخمر وأسرفوا فيها.
3-الحياة الفكرة والأدبية:
أ-طلب العلم وحرية الرأي.
بدأ عصر ابن قتيبة بالمأمون، وكان محبا للعلم والأدباء، وأطلق حرية القول، فقويت في هذا العصر حركة الشعوبية، وقد أدت هذه الحركة إلى نشاط فكري تجلى بمجموعة كبيرة من الكتب.
ب-المعتزلة وأهل السنة اهتم المأمون كثيرا بالمناظرة بين العلماء في مسائل الدين والفلسفة وكان يجمعهم إليه. والمسألة الهامة التي شغلته وشغلتهم هي مسألة «خلق القرآن» وقد تركز حولها الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة. وقد اعتنق المأمون آراء المعتزلة وانتصر لهم وتتبع أعداءهم وضيق عليهم ولجأ إلى أذيتهم.
Страница 10
وبعد المأمون استمر الخلاف، وظهر بصور أجلى إلى عهد المتوكل الذي أبطل قول المعتزلة ونصر أهل السنة وأمر الناس باتباعها وترك ما دونها.
ج-العلوم الدينية نشطت في هذا العصر الدراسات الدينية المختلفة، وخاصة ما يتصل منها بأصول الدين والعقيدة، وقد أثرت حركة الترجمة-التي ازدهرت-وساعدت في ازدهار البحوث الدينية.
ونشطت إلى جانب ذلك-الحركة اللغوية والبيانية التي تصدت لدراسة القرآن أسلوبا وألفاظا ومعان وتراكيب.
وقد حظي الحديث ودراسة القرآن بالعناية، وازدهرت الدراسة الفقهية وبرز العديد من الفقهاء الأئمة الكبار الذين تشددوا بوجه التيارات الغريبة والدخيلة.
د-العلوم العقلية بلغت حركة النقل والترجمة أوجها، وقد انكب العرب على دراسة وتمحيص ما نقلوه وترجموه فما أفاد كثيرا في الاطلاع على ما لدى الشعوب الأخرى كاليونان وغيرهم من تراث.
ه-العلوم اللغوية والأدبية كان عصر ابن قتيبة تتويجا لحركة لغوية قد سبقته قادها سيبويه والكسائي وغيرهما، ونشأت مدارس نبغ فيها علماء ونوابغ كان لكل منهم أسلوبه واتجاهه وقوله وتفسيره ومذهبه. فكان هذا التنوع بداية نهضة واسعة شملت جميع جوانب الأدب، فظهرت مجموعة كبيرة من الكتب التي تعرض لجوانب هذه المذاهب والاتجاهات والأساليب الأدبية واللغوية والنحوية.
وظهر جماعة من الشعراء الفحول، حيث كان أيضا لكل شاعر من هؤلاء لونه واتجاهه الموضوعي والفني في المعاني والأساليب والألفاظ والتشبيهات.
ابن قتيبة:
مولده ونشأته:
هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري أحد العلماء الأدباء،
Страница 11
والحفاظ الأذكياء، كان إماما في اللغة والأدب والأخبار وأيام الناس. وقد أخلص نفسه وفكره وعقله لدينه ولغته، وقضى حياته مجاهدا في سبيل إعزازهما والتمكين لهما.
وابن قتيبة من أسرة فارسية كانت تقطن مدينة مرو، وقد ولد سنة 213 في أواخر خلافة المأمون وقد اختلفوا في مكان ولادته فقيل: ولد ببغداد، وقيل: ولد بالكوفة وقد نشأ ببغداد وتثقف على أهلها وأخذ العلم عن رجالها، وقد كانت بغداد تموج حينئذ بأعلام العلماء في كل فن وتهوى إليها أفئدة المثقفين والمتعلمين من أنحاء الدولة الإسلامية.
وقد أثرت بغداد في نشأته الفكرية. وتأثر في شبابه بما كان يدور في أوساط العلماء من جدل وتناظر بين أهل السنة والمعتزلة. فأعجب بآراء المعتزلة-في مطلع شبابه-وكانت آراء المعتزلة وأفكارهم قد غلبت على الحياة الفكرية ببغداد.
ثم اختير لقضاء الدينور، فأقام بها ونسب إليها وهناك اتصل بعلمائها وفقهائها ومحدثيها. ثم عاد إلى بغداد فاتصل برجال الدولة كعادة غيره من العلماء والأدباء.
وفي بغداد انكب ابن قتيبة على الدرس والتحصيل على علماء الحديث وأئمة اللغة والرواية وشيوخ الأدب، وتتلمذ لطائفة من أعلام عصره وروى عن جمع من مشاهير دهره، وأخذ عن كثير من أعيانه وأماثله.
أهم شيوخه:
نذكر منهم: والده مسلم بن قتيبة، وأحمد بن سعيد اللحياني صاحب أبي عبيد، ومحمد بن سلام الجمحي، وإسحاق بن راهويه، وحرملة بن يحيى التجيبي، ويحيى بن أكثم القاضي، وأبو حاتم السجستاني، وعبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، ودعبل بن علي الخزاعي، وإبراهيم بن سفيان الزيادي، وإسحاق بن إبراهيم بن محمد الصواف، ومحمد بن يحيى بن أبي حزم القطيعي البصري، وأبو الخطاب زياد بن يحيى الحساني، وشبابة بن سوار، والعباس بن الفرح الرياشي، وأبو سهل الصفار، وأبو بكر محمد بن خالد بن خداش، وأبو
Страница 12
سعيد أحمد بن خالد الضرير، وأبو عثمان الجاحظ، وأبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد البصري.
تلاميذه:
ابنه القاضي أحمد، وابن درستويه الفسوي، وأبو سعيد الهيثم الشاشي، وقاسم بن أصبغ بن يوسف بن ناصح البياني، وأبو بكر المالكي، وإبراهيم بن محمد بن أيوب الصائغ، وأحمد بن حسين بن إبراهيم الدينوري.
مصنفاته:
صنف ابن قتيبة مجموعة كبيرة من التصانيف أجمعوا على أنها عظيمة القدر، جليلة النفع. قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات «لابن قتيبة مصنفات كثيرة جدا رأيت فهرسها ونسيت عددها، أظنها تزيد على ستين من أنواع العلوم» وقال أبو العلاء المعري: خمسة وستين مصنفا.
أهمها: 1-كتاب الوزراء (ذكره في لسان العرب) . 2-كتاب آلة الكتاب (صاحب الاقتضاب) . 3-كتاب صناعة الكتابة. 4-كتاب الوحش. 5-كتاب الصيام. 6-كتاب غريب الحديث. 7-مشكل القرآن. 8-كتاب معاني القرآن. 9-كتاب القراءات. 10-كتاب إصلاح الغلط في غريب الحديث لأبي عبيد. 11-تفسير غريب القرآن. 12-كتاب الأنواء. 13-كتاب فضل العرب.
14-كتاب الميسر والقداح. 15-كتاب المعارف. 16-كتاب إعراب القراءات. 17-كتاب الرد على القائل بخلق القرآن. 18-كتاب القراءة.
19-كتاب غريب القرآن. 20-كتاب تأويل مختلف الحديث. 21-كتاب عيون الأخبار. 22-كتاب أدب الكاتب. 23-كتاب الشعر والشعراء.
24-كتاب المسائل والأجوبة. 25-كتاب دلائل النبوة. 26-كتاب جامع الفقه. 27-كتاب الفقيه. 28-كتاب الأشربة. 29-الرد على المشبهة.
30-أدب الكاتب. 31-كتاب المعاني الكبير. 32-كتاب عيون الشعر.
33-كتاب التقفية. 35-كتاب جامع النحو الكبير. 36-كتاب جامع النحو الصغير. 37-كتاب الحكاية والمحكي. 38-كتاب الخيل. 39-كتاب العلم. 40-كتاب ديوان الكتاب. 41-كتاب فرائد الدر. 42-كتاب خلق
Страница 13
الإنسان. 43-كتاب حكم الأمثال. 44-كتاب آداب العشرة. 45-كتاب التفسير. 46-كتاب معجزات النبي صلى الله عليه وسلم (ذكره أبو الطيب الحلبي في مراتب النحويين) . 47-كتاب تأويل الرؤيا. 48-كتاب استماع الغناء بالألحان. 49-كتاب الجوابات الحاضرة. 50-كتاب الجراثيم.
51-كتاب تقويم اللسان. 52-كتاب التسوية بين العرب والعجم. 53-كتاب القلم. 54-تاريخ ابن قتيبة. 55-كتاب معاني القرآن. والإمامة والسياسة (رغم الشكوك في انتسابه إليه) .
عملنا في كتاب الإمامة والسياسة:
-استعرضنا نسخ الكتاب المطبوعة. واعتمدنا الأكثر ملاءمة للأصل والأقرب إلى الصحة.
-دققنا-ما استطعنا بما توفر لدينا من مصادر-الروايات والنصوص وقارناها بغيرها فأضفنا ما سها عن المؤلف لسبب أو لآخر، كلمة أو جملة أو أكثر.
وثبتنا ما أضفناه في المتن بين معكوفتين[]مع الإشارة أحيانا إلى أن الزيادة كانت في الأصول وأحيانا إن تعذر علينا ذلك لفقدان أصل ما أو مصدر ما أو شككنا في صحة نص ما كنا نعود إلى أصول أخرى أثبتت الرواية، وقد يكون الراوي نفسه.
-قارنا الروايات المختلفة وأعدنا القارئ إلى مصادرها الأساسية وعلقنا عليها وشرحنا ما التبس منها وما رأيناه ضروريا وذلك كله في الهامش.
-قمنا بتخريج الآيات القرآنية الكريمة وعزوناها إلى سورها وأرقامها وانتهينا إلى تخريج الأحاديث النبوية الشريفة-ما استطعنا إلى ذلك-وضبطنا نصوصها ومصادرها.
-ضبطنا كثيرا من أسماء الأعلام، وترجمنا لكثير منهم.
-ضبطنا وعرفنا بأسماء الأماكن والقبائل وغيرها من معاجم البلدان: ياقوت- البكري-أبي الفداء-اليعقوبي-ابن الفقيه.
-قمنا بوضع شروحات وتعليقات مسهبة على النصوص.
وبعد قمنا بتنظيم فهارس شاملة وافية شملت:
Страница 14
-فهارس الأحاديث النبوية الشريفة.
-فهارس الأعلام الواردة في الكتاب وأبجدتها.
-فهارس القبائل والأمم والبطون والعشائر.
-فهارس الأماكن وأسماء البلاد والجبال والأودية.
-فهارس أيام العرب ووقائعهم.
-فهارس للشعر، نظمت حسب القافية.
-فهارس الأمثال، الواردة في الكتاب.
وبعد نرجو أن نكون بعملنا هذا قد وضعنا كتاب الإمامة والسياسة في مكانته التي يجب أن يحتلها، وقد أهمل طويلا.
ونرجو أن نكون-بجهدنا المتواضع-قد قدمنا للقارئ الكريم وللباحث الجليل خدمة بحيث أصبح كتاب الإمامة والسياسة أكثر فائدة من خلال الشروحات التي حاولنا من تثبيتها أن تكون مادته في متناول الجميع قريبة من الدقة.
ونرجو أن نكون قد وفقنا في خدمة تراثنا من خلال هذا العمل. حيث أبادر إلى التأكيد أنني ألتزم متابعة بذل الجهد والعطاء، لتكون المساهمة أكثر فاعلية في تحقيق ما يصبو إليه القارئ من الوقوف على الكلمة الحقة والنشرة الصواب البعيدة عن الغموض والتزوير والخطأ والتصحيف، وذلك بما يغني ثقافته وطموحاته الفكرية والعلمية. ومع ذلك لا ندعي لأنفسنا أننا وصلنا، ولكننا ندعي أننا بذلنا وقدمنا ما استطعنا.
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
بيروت 15/1/1990 علي شيري
Страница 15
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة رحمه الله تعالى:
نفتتح كلامنا بحمد الله تعالى، ونقدس ربنا بذكره والثناء عليه، لا إله إلا هو لا شريك له، الذي اتخذ الحمد لنفسه ذكرا، ورضي به من عباده شكرا وصلى الله على سيدنا محمد الذي أرسله بالهدى، وختم به رسل الله السعدا، صلاة زاكية، وسلم تسليما كثيرا أبدا.
فضل أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما
حدثنا ابن أبي مريم، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا وكيع، عن يونس بن أبي إسحاق، عن الشعبي، عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، قال : كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال عليه الصلاة والسلام: «هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين عليهم السلام ولا تخبرهما يا علي» [ (1) ].
حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحمامي رضي الله عنه، حدثنا أحمد بن حواش الحنفي، قال: حدثنا ابن المبارك، عن عمر بن سعيد، عن أبي مليكة[ (2) ]، [ (1) ]الحديث أخرجه الترمذي في المناقب (16) وابن ماجة في المقدمة (11) وأحمد في مسندة 1/80.
[ (2) ]هو زهير بن عبد الله بن جدعان، أبو مليكة التيمي، روى عنه أبو داود، وعبد الله بن أبي مليكة حفيده (التقريب-الكاشف) .
Страница 17
قال : سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول: وضع عمر رضي الله عنه على سريره فتكنفه[ (1) ]الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع، فلم يرعني إلا رجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت فإذا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يترحم على عمر رضي الله عنه، وقال: والله ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله تعالى بمثل عمله منك يا عمر، وأيم الله إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبك، وذاك أني كنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، وكنت أنا وأبو بكر وعمر، وإن كنت لأظن أن يجعلك الله تعالى معهما» @HAD@ . وأخبرنا ابن أبي شيبة، قال: حدثنا يزيد بن الحباب، عن موسى بن عبيد، قال: أخبرني أبو معاذ وأبو الخطاب، عن علي رضي الله عنه، قال : بينما أنا جالس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: «يا علي: هذان سيدا كهول[ (2) ]أهل الجنة، إلا ما كان من الأنبياء عليهم السلام، ولا تخبرهما»
حدثنا الوليد بن مسلم، عن عبد الله بن عبد العلي عن القاسم بن أبي عبد الرحمن رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لقد هممت أن أبعث إلى الأمم رجالا يدعونهم إلى الإسلام ويرغبونهم في الدين، فأبعث أبي بن كعب، وسالما مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، كما فعل عيسى بن مريم عليهما السلام» ، فقالوا: يا رسول الله أفلا تبعث أبا بكر وعمر رضي الله عنهما؟فقال صلى الله عليه وسلم: «هما لا بد لي منهما، هما مني بمنزلة السمع والبصر [ (4) ].
سؤال عمر بن عبد العزيز عن استخلاف الرسول لأبي بكر
وحدثنا[ (5) ]، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا محمد بن الزبير، قال :
أرسلني عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري، رحمهما الله تعالى، أسأله إن [ (1) ]تكنفه الناس: أي أحاطوا به.
[ (2) ]سيد الكهول: الكهل من خالطه الشيب، والمعنى هما سيدا من مات كهلا، وإلا فليس في الجنة كهل.
[ (3) ]الحديث قد جاء بوجوه متعددة عن علي وغيره، ذكره الترمذي وقد حسنه من بعض الوجوه (زيادات ابن ماجة) .
[ (4) ]القسم الأخير من الحديث أخرجه الترمذي في المناقب (باب: 16) .
[ (5) ]يعني الوليد بن مسلم.
Страница 18
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر رضي الله عنه، فأتيته فاستوى جالسا، وقال: إي والذي لا إله إلا هو، استخلفه، وهو كان أعلم بالله تعالى، وأتقى لله تعالى، من أن يتوثب عليهم لو لم يأمره.
استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه
عن ابن أبي مريم، قال: حدثنا العرياني، عن أبي عون بن عمرو بن تيم الأنصاري رضي الله عنه، وحدثنا سعيد بن كثير، عن عفير بن عبد الرحمن قال: حدثنا بقصة استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر، وشأن السقيفة، وما جرى فيها من القول، والتنازع بين المهاجرين والأنصار وبعضهم يزيد على بعض في الكلام، فجمعت ذلك وألفته على معنى حديثهم، ومجاز لغتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه الذي قبض فيه، متوكئا على الفضل بن العباس رضي الله عنهما، وغلام يقال له ثوبان[ (1) ]رضي الله عنه، ثم رجع صلى الله عليه وسلم فدخل منزله، وقال لغلامه: اجلس على الباب ولا تحجب أحدا من الأنصار رضي الله عنهم، فأحدقوا بالباب، وقالوا للغلام: ائذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: عنده نساؤه رضي الله تعالى عنهن، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاءهم، فقال: من هؤلاء؟فقيل له الأنصار رضي الله عنهم يبكون، فخرج صلى الله عليه وسلم متوكئا على علي والعباس رضي الله عنهما فدخل المسجد واجتمع الناس إليه، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنه لم يمت نبي قط إلا خلف وراءه تركة وإن تركتي فيكم الأنصار رضي الله عنهم، وهم كرشي[ (2) ]التي آوي إليها، أوصيكم بتقوى الله تعالى، والإحسان إليهم، فقد علمتم أنهم شاطروكم[ (3) ]وواسوكم في العسر واليسر نصروكم في النشط والكسل، فاعرفوا [ (1) ]ثوبان: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بن بجدد أبو عبد الله أصله من أهل السراة (بين مكة واليمن) اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعتقه. خدم النبي صلى الله عليه وسلم حتى وفاته، توفي في حمص سنة 54.
[ (2) ]قال أبو عبيد في غريب الحديث عن أبي زيد الأنصاري: يقال عليه كرش من الناس يعني جماعة. وقال غيره: فكأنه أراد جماعتي وصحابتي الذين أثق بهم وأعتمد عليهم. وقال الأحمر:
يقال: هم كرش منثورة (يعني صبيان صغار) .
[ (3) ]شاطروكم: من الشطر. قال المبرد في الكامل: وأصل هذا من التنصيف. وللشطر وجهان في
Страница 19
لهم حقهم، وأقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم» .
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله وهو معصوب الرأس شديد الوجع، فلما كانت الصلاة أتى بلال المؤذن رضي الله عنه يدعو إلى الصلاة، ففتح صلى الله عليه وسلم عينيه، وقال للنساء: ادعون لي حبيبي، فعرفت عائشة رضي الله عنها أنه يريد أبا بكر، فقالت: أرسل إلى عمر، فإن أبا بكر رجل رقيق، وإن قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم افتضح من البكاء، وعمر أقوى منه، فأرسلت إلى عمر رضي الله عنه، فأتى فسلم، ففتح رسول الله صلى الله عليه وسلم عينيه، فرد السلام، ثم أطرق عنه، فعرف عمر أنه لم يرده، فلما خرج أقبل صلى الله عليه وسلم عليهن وقال: «ادعون لي حبيبي فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل رقيق، أمرت عمر يصلي بالناس، فقال صلى الله عليه وسلم: إنكن صواحبات يوسف[ (1) ]عليه السلام، ادعون لي حبيبي إنما أفعل ما أومر» فدعي أبو بكر رضي الله تعالى عنه[ (2) ] .
استخلاف أبي بكر رضي الله عنه في الصلاة بالناس
فلما جاء قال له: اذهب مع المؤذن، فصل بالناس، فلم يزل أبو بكر رضي الله عنه يصلي بالناس حتى كان اليوم الذي مات فيه رسول الله[ (3) ]وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين.
[ () ]كلام العرب فأحدهما النصف.. من ذلك قولهم: شاطرتك مالي، والوجه الآخر: القصد، يقال: خذ شطر زيد، أي قصده، قال الله تعالى: فول وجهك شطر المسجد الحرام أي قصده.
[ (1) ]يريد كثرة التظاهر على ما يرون، وكثرة إلحاحهن في طلب ما يردنه ويملن إليه.
[ (2) ]راجع ما ذكره البيهقي في دلائل النبوة-باب ما جاء في أمره، حين اشتد به المرض-أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يصلي بالناس ج 7/186 وما بعدها.
[ (3) ]هذا يحتمل أن أبا بكر رضي الله عنه صلى بالناس طيلة فترة مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قام بالصلاة بالناس، وانتهى ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم. في ذلك وردت عدة أحاديث ذكرها البيهقي في دلائل النبوة، باب ما جاء في آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ج 7/189.
Страница 20
اختلاف الصحابة على موضع دفنه صلى الله عليه وسلم
فأتمروا فقال قائل: يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يصلي في مقامه، فقال أبو بكر رضي الله عنه: معاذ الله أن نجعله وثنا نعبده! وقال قائل: ندفنه صلى الله عليه وسلم في البقيع[ (1) ]، حيث دفن إخوانه من المهاجرين والأنصار. فقال أبو بكر: إنا نكره أن نخرج قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا إلى البقيع، قالوا: فما ترى يا أبا بكر؟ قال:
سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: «ما قبض نبي قط إلا دفن جسده حيث قبض روحه» [ (2) ]. قالوا: فأنت والله رضا ومقنع.
وكان العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه قد لقي عليا كرم الله وجهه، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقبض، فاسأله إن كان الأمر لنا بينه وإن كان لغيرنا أوصى بنا خيرا.
محاولة العباس مبايعة الإمام علي
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه: أبسط يدك أبايعك، فيقال: عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبايعك أهل بيتك، فإن هذا الأمر إذا كان لم يقل، فقال له علي كرم الله وجهه: ومن يطلب هذا الأمر غيرنا؟ وقد كان العباس رضي الله عنه لقي أبا بكر فقال: هل أوصاك رسول الله بشيء؟قال:
لا. ولقي العباس أيضا عمر، فقال له مثل ذلك. فقال عمر: لا. فقال العباس لعلي رضي الله عنه: ابسط يدك أبايعك ويبايعك أهل بيتك.
ذكر السقيفة وما جرى فيها من القول
وحدثنا، قال: حدثنا ابن عفير عن أبي عون، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قبض، اجتمعت [ (1) ]البقيع: مقبرة أهل المدينة، وهي داخل المدينة (معجم البلدان) .
[ (2) ]نقله السيوطي في الخصائص الكبرى 2/278 عن ابن سعد والبيهقي وقال: له عدة طرق موصولة ومرسلة. وانظر طبقات ابن سعد 2/275.
Страница 21
الأنصاري رضي الله عنهم إلى سعد بن عبادة، فقالوا له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض. فقال سعد لابنه قيس[ (1) ]رضي الله عنهما: إني لا أستطيع أن أسمع الناس كلاما لمرضي، ولكن تلق مني قولي فأسمعهم، فكان سعد يتكلم، ويحفظ ابنه رضي الله عنهما قوله، فيرفع صوته، لكي يسمع قومه، فكان مما قال رضي الله عنه، بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه: يا معشر الأنصار إن لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة[ (2) ]من العرب، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث في قومه بضع عشرة سنة، يدعوهم إلى عبادة الرحمن، وخلع الأوثان[ (3) ]، فما آمن به من قومه إلا قليل[ (4) ]، والله ما كانوا يقدرون أن يمنعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعرفوا دينه، ولا يدفعوا عن أنفسهم[ (5) ]، حتى أراد الله تعالى لكم الفضيلة، وساق إليكم الكرامة، وخصكم بالنعمة، ورزقكم الإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم، والمنع له ولأصحابه والإعزاز[له و]لدينه، والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على من تخلف عنه منكم، وأثقله على عدوكم من غيركم، حتى استقاموا لأمر الله تعالى طوعا وكرها، وأعطى البعيد المقادة صاغرا داحرا حتى أثخن الله تعالى لنبيه بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب، وتوفاه الله تعالى وهو راض عنكم[وبكم]قرير العين، فشدوا أيديكم بهذا الأمر، فإنكم أحق الناس وأولاهم به.
فأجابوه جميعا: أن قد وفقت في الرأي، وأصبت في القول، ولن نعدو ما رأيت توليتك هذا الأمر، فأنت مقنع ولصالح المؤمنين رضا[ (6) ]. قال فأتى الخبر إلى أبي بكر رضي الله عنه، ففزع أشد الفزع، وقام معه عمر رضي الله عنهما، [ (1) ]زيد في الطبري: «أو بعض بني عمه» .
[ (2) ]كذا بالأصل والطبري، وفي الكامل لابن الأثير: لأحد من العرب.
[ (3) ]في الطبري: وخلع الأنداد والأوثان.
[ (4) ]في الطبري: إلا رجال قليل.
[ (5) ]العبارة في الطبري: ولا يعزوا دينه، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به.
[ (6) ]وزيد في الطبري وابن الأثير: (النص من الطبري) : ثم انهم ترادوا الكلام بينهم، فقالوا: فإن أبت مهاجرة قريش، فقالوا: نحن المهاجرون وصحابة رسول الله الأولون، ونحن عشيرته وأولياؤه، فعلام تنازعونا هذا الأمر بعده، فقالت طائفة منهم: فإنا نقول إذا: منا أمير ومنكم أمير، ولن نرضى بدون هذا الأمر أبدا، فقال سعد بن عبادة حين سمعها: هذا أول الوهن.
Страница 22
فخرجا مسرعين إلى سقيفة بني ساعدة، فلقيا أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فانطلقوا رضي الله عنهم جميعا، حتى دخلوا سقيفة بني ساعدة، وفيها رجال من الأشراف، معهم سعد بن عبادة رضي الله عنه، فأراد عمر رضي الله عنه أن يبدأ بالكلام، وقال : خشيت أن يقصر أبو بكر رضي الله عنه عن بعض الكلام. فلما تيسر عمر للكلام، تجهز أبو بكر رضي الله عنه وقال له: على رسلك، فستكفى الكلام، فتشهد أبو بكر رضي الله عنه، وانتصب له الناس، فقال[ (1) ]: إن الله جل ثناؤه بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، فدعا إلى الإسلام، فأخذ الله تعالى بنواصينا وقلوبنا إلى ما دعا إليه، فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاما، والناس لنا فيه تبع، ونحن عشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن مع ذلك أوسط العرب أنسابا، ليست قبيلة من قبائل العرب إلا ولقريش فيها ولادة. وأنتم أيضا والله الذين آووا ونصروا، وأنتم وزراؤنا في الدين، ووزراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنتم إخواننا في كتاب الله تعالى وشركاؤنا في دين الله عز وجل وفيما كنا فيه من سراء وضراء، والله ما كنا في خير قط إلا كنتم معنا فيه، فأنتم أحب الناس إلينا، وأكرمهم علينا، وأحق الناس بالرضا بقضاء الله تعالى، والتسليم لأمر الله عز وجل ولما ساق لكم ولإخوانكم المهاجرين رضي الله عنهم، وهم أحق الناس فلا تحسدوهم، وأنتم المؤثرون على أنفسهم حين الخصاصة، والله ما زلتم مؤثرين إخوانكم من المهاجرين، وأنتم أحق الناس ألا يكون هذا الأمر واختلافه على أيديكم، وأبعد أن لا تحسدوا إخوانكم على خير ساقه الله تعالى إليهم، وإنما أدعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر، وكلاهما قد رضيت لكم ولهذا الأمر، وكلاهما له أهل. فقال عمر وأبو عبيدة رضي الله عنهما: ما ينبغي لأحد من الناس أن يكون فوقك يا أبا بكر أنت صاحب الغار ثاني اثنين، وأمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة فأنت أحق الناس بهذا الأمر. فقال الأنصار: والله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم، وإنا لكما وصفت يا أبا بكر والحمد لله، ولا أحد من خلق الله تعالى أحب إلينا منكم، ولا أرضى عندنا ولا أيمن ولكنا نشفق مما بعد اليوم، ونحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا ولا منكم، فلو جعلتم اليوم رجلا منا ورجلا منكم بايعنا ورضينا، على أنه إذا هلك اخترنا آخر من الأنصار فإذا [ (1) ]قارن مع الطبري-ابن الأثير-ابن كثير، باختلاف في الألفاظ والتعابير.
Страница 23
هلك اخترنا آخر من المهاجرين أبدا ما بقيت هذه الأمة، كان ذلك أجدر أن يعدل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأن يكون بعضنا يتبع بعضا، فيشفق القرشي أن يزيغ فيقبض عليه الأنصاري، ويشفق الأنصاري أن يزيغ فيقبض عليه القرشي. فقام أبو بكر، فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال: إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا إلى خلقه، وشهيدا على أمته ليعبدوا الله ويوحدوه وهم إذ ذاك يعبدون آلهة شتى، يزعمون أنها لهم شافعة، وعليهم بالغة نافعة، وإنما كانت حجارة منحوتة، وخشبا منجورة، فاقرءوا إن شئتم إنكم وما تعبدون من دون الله [أنبياء: 67]، ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وقالوا:
ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [الزمر: 3]فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم، فخص الله تعالى المهاجرين الأولين رضي الله عنهم بتصديقه، والإيمان به، والمواساة له والصبر معه على الشدة من قومهم، وإذلالهم وتكذيبهم إياهم وكل الناس مخالف عليهم[ (1) ]، زار لهم، فلم يستوحشوا لقلة عددهم وإزراء[ (2) ]الناس بهم واجتماع قومهم عليهم، فهم أول من عبد الله في الأرض، وأول من آمن بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهم أولياؤه وعشيرته، وأحق الناس بالأمر من بعده لا ينازعهم فيه إلا ظالم، وأنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم ولا النعمة العظيمة لهم في الإسلام، رضيكم الله تعالى أنصارا لدينه ولرسوله، وجعل إليكم مهاجرته فليس بعد المهاجرين الأولين أحد عندنا بمنزلتكم، فنحن الأمراء، وأنتم الوزراء، لا نفتات دونكم بمشورة، ولا تنقضي[ (3) ]دونكم الأمور.
فقام الحباب بن المنذر بن زيد بن حرام رضي الله عنه، فقال: يا معشر الأنصار: املكوا عليكم أيديكم، فإنما الناس في فيئكم وظلالكم، ولن يجير مجير[ (4) ]على خلافكم، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم، أنتم أهل العز والثروة وأولو العدد والنجدة[ (5) ]، وإنما ينظر الناس ما تصنعون، فلا تختلفوا، فيفسد [ (1) ]في الطبري: لهم مخالف.
[ (2) ]في الطبري وابن الأثير: وشنف الناس لهم. وكلاهما بمعنى: البغض والتنكر والاحتقار.
[ (3) ]في الطبري: ولا نقضي. وعند ابن الأثير: ولا تقضى.
[ (4) ]في الطبري: ولن يجترئ مجترئ.
[ (5) ]في الطبري: وأولو العدد والمنعة والتجربة، ذوو البأس والنجدة.
Страница 24
عليكم رأيكم، وتقطع أموركم، أنتم أهل الإيواء والنصرة، وإليكم كانت الهجرة، ولكم في السابقين الأولين مثل ما لهم، وأنتم أصحاب الدار والإيمان من قبلهم، والله ما عبدوا الله علانية إلا في بلادكم، ولا جمعت الصلاة إلا في مساجدكم، ولا دانت العرب للإسلام إلا بأسيافكم، فأنتم أعظم الناس نصيبا في هذا الأمر، وإن أبى القوم، فمنا أمير ومنهم أمير.
فقام عمر رضي الله عنه، فقال: هيهات لا يجتمع[ (1) ]سيفان في غمد واحد، إنه والله لا يرضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم، وأولو الأمر منهم، لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجة الظاهرة، والسلطان المبين، من ينازعنا سلطان محمد وميراثه، ونحن أولياؤه وعشيرته، إلا مدل بباطل، أو متجانف لإثم، أو متورط في هلكة.
فقام الحباب بن المنذر رضي الله عنه، فقال: يا معشر الأنصار: املكوا على أيديكم، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم ما سألتم فأجلوهم عن بلادكم، وتولوا هذا الأمر عليهم، فأنتم والله أولى بهذا الأمر منهم، فإنه دان لهذا الأمر ما لم يكن يدين له بأسيافنا، أما والله إن شئتم لنعيدنها جذعة[ (2) ]، والله لا يرد علي أحد ما أقول إلا حطمت أنفه بالسيف. قال عمر بن الخطاب: فلما كان الحباب هو الذي يجيبني، لم يكن لي معه كلام، لأنه كان بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاني عنه، فحلفت أن لا أكلمه كلمة تسوؤه أبدا[ (3) ]. ثم قام أبو عبيدة، فقال: يا معشر الأنصار أنتم أول من نصر وآوى، فلا تكونوا أول من يبدل ويغير.
مخالفة بشير بن سعد، ونقضه لعهدهم
قال: وإن بشيرا لما رأى ما اتفق عليه قومه من تأمير سعد بن عبادة، قام حسدا لسعد، وكان بشير من سادات الخزرج، فقال: يا معشر الأنصار، أما والله [ (1) ]في الطبري: لا يجتمع اثنان في قرن.
[ (2) ]الجذعة: الفتية. والجذع من الإبل ما استكمل الأربع ودخل في السنة الخامسة من العمر.
والأنثى جذعة. (عن غريب الهروي) .
[ (3) ]في الطبري وابن الأثير: فقال عمر: إذا ليقتلك الله!فقال: بل إياك يقتل.
Страница 25
لئن كنا أولى الفضيلة في جهاد المشركين، والسابقة في الدين، ما أردنا إن شاء الله غير رضا ربنا، وطاعة نبينا، والكرم لأنفسنا[ (1) ]، وما ينبغي أن نستطيل بذلك على الناس، ولا نبتغي به عوضا[ (2) ]من الدنيا فإن الله تعالى ولي النعمة والمنة علينا بذلك. ثم إن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قريش، وقومه أحق بميراثه، وتولي سلطانه، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا فاتقوا الله ولا تنازعوهم ولا تخالفوهم.
بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
قال: ثم إن أبا بكر قام على الأنصار، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، ثم دعاهم إلى الجماعة، ونهاهم عن الفرقة، وقال: إني ناصح لكم في أحد هذين الرجلين: أبي عبيدة بن الجراح، أو عمر فبايعوا من شئتم منهما، فقال عمر:
معاذ الله أن يكون ذلك وأنت بين أظهرنا، أنت أحقنا بهذا الأمر، وأقدمنا صحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل منا في المال، وأنت أفضل المهاجرين وثاني اثنين، وخليفته على الصلاة، والصلاة أفضل أركان دين الإسلام، فمن ذا ينبغي أن يتقدمك، ويتولى هذا الأمر عليك؟أبسط يدك أبايعك. فلما ذهبا يبايعانه سبقهما إليه بشير الأنصاري فبايعه، فناداه الحباب بن المنذر: يا بشير بن سعد، عقك عقاق ما اضطرك إلى ما صنعت؟حسدت ابن عمك على الإمارة؟قال: لا والله، ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا لهم.
فلما رأت الأوس ما صنع قيس[ (3) ]بن سعد وهو من سادات الخزرج، وما دعوا إليه المهاجرين من قريش، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير[ (4) ]رضي الله عنه: لئن وليتموها سعدا عليكم مرة واحدة، لا زالت لهم بذلك عليكم الفضيلة، ولا جعلوا لكم نصيبا فيها أبدا، فقوموا فبايعوا أبا بكر رضي الله عنه، فقاموا إليه فبايعوه؟فقام الحباب بن المنذر إلى سيفه فأخذه، فبادروا إليه فأخذوا سيفه منه، فجعل [ (1) ]في الطبري: والكدح لأنفسنا.
[ (2) ]في الطبري: عرضا.
[ (3) ]كذا بالأصل، تحريف. والصواب «بشير» كما في الطبري وابن الأثير، وهذا ما يقتضيه السياق.
[ (4) ]وهو أحد النقباء الاثني العشر. وهو من سادات الأوس ورؤسائهم.
Страница 26
يضرب بثوبه وجوههم، حتى فرغوا من البيعة، فقال: فعلتموها يا معشر الأنصار، أما والله لكأني بأبنائكم على أبواب أبنائهم، قد وقفوا يسألونهم بأكفهم ولا يسقون الماء. قال أبو بكر: أمنا تخاف يا حباب؟قال: ليس منك أخاف، ولكن ممن يجيء بعدك[ (1) ]. قال أبو بكر: فإذا كان ذلك كذلك، فالأمر إليك وإلى أصحابك، ليس لنا عليك طاعة، قال الحباب: هيهات يا أبا بكر، إذا ذهبت أنا وأنت، جاءنا بعدك من يسومنا الضيم.
تخلف سعد بن عبادة رضي الله عنه عن البيعة
فقال سعد بن عبادة: أما والله لو أن لي ما أقدر به على النهوض، لسمعتم مني في أقطارها زئيرا يخرجك[ (2) ]أنت وأصحابك، ولألحقتك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع، خاملا غير عزيز، فبايعه الناس جميعا حتى كادوا يطئون سعدا. فقال سعد: قتلتموني. فقيل[ (3) ]: اقتلوه قتله الله، فقال سعد: احملوني من هذا المكان، فحملوه فأدخلوه داره وترك أياما، ثم بعث إليه أبو بكر رضي الله عنه: أن أقبل فبايع، فقد بايع الناس، وبايع قومك، فقال: أما والله حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي من نبل، وأخضب منكم سناني ورمحي[ (4) ]، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي، ولا والله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي، وأعلم حسابي. فلما أتي بذلك أبو بكر من قوله، قال عمر: لا تدعه حتى يبايعك، فقال لهم بشير بن سعد: إنه قد أبى ولج، وليس يبايعك حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل ولده معه، وأهل بيته وعشيرته، ولن تقتلوهم حتى تقتل الخزرج، ولن تقتل الخزرج حتى تقتل الأوس، فلا تفسدوا على أنفسكم أمرا قد استقام لكم، فاتركوه فليس تركه بضاركم، وإنما هو رجل واحد، فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد، واستنصحوه لما بدا لهم منه. فكان سعد لا يصلي بصلاتهم، ولا يجمع[ (5) ] [ (1) ]قال الجوهري في كتاب السقيفة: لقد صدقت فراسة الحباب، فإن الذي خافه وقع يوم الحرة (سنة 63) وأخذ من الأنصار ثأر المشركين يوم بدر (شرح النهج 1/313) .
[ (2) ]في الطبري: «يجحرك وأصحابك» يعني يدخلكم المضايق.
[ (3) ]القائل هو عمر بن الخطاب. قاله في الطبري.
[ (4) ]في الطبري: سنان رمحي.
[ (5) ]أي لا يصلي الجمعة معهم.
Страница 27