76

وقابلها بمعظم شعره فيبدو لك من استغلاق العبارة والتكلف ما يحملك على الظن أنها ليست من نظمه لو لم تكن مثبتة في ديوانه، وإن أردت برهانا أقرب فانظر في محبوكات صفي الدين الحلي، وكلها منظومة في باب واحد، واقرأ الثائية، والخائية والظائية، وإن كنت صبورا جلدا فأتمم قراءتها من أولها إلى آخرها، وقل لي بعد ذلك رأيك فيها.

ففي مثل هذا المأذق الضيق يضطر الشاعر إلى اتخاذ جميع البيت تتمة للقافية مع أن الغرض من القافية أن تكون تتمة للبيت مندمجة في معناه، فإذا كره في القافية وهي كلمة واحدة أن تكون حشوا للبيت، فكم يكره أن يكون جميع البيت حشوا للقافية ما لم يكن مبنيا عليها لغرض مقصود.

رنة القافية

وكما أن العرب نظموا جميع المعاني على جميع البحور، فقد كان هذا شأنهم في القوافي، فلم يقيدوا قافية بباب من الأبواب، وخير للقوافي أن تبقى مطلقة يتخير منها الشاعر ما شاء فتأتيه أرسالا، فإن سلم ذوقه جاءته منقادة طوعا فحلت محلها، وإلا فلا يسلم الذوق كرها.

ولكنه يجوز للباحث أن يلقي نظره على منظومات الشعراء، ويمحصها بالنقد والمقابلة، فإذا فعلنا ذلك بدا لنا مثلا: أن القاف تجود في الشدة والحرب، والدال في الفخر والحماسة، والميم واللام في الوصف والخبر، والباء والراء في الغزل والنسيب، وإنما هو قول إجمالي إذا صح من باب التغليب فلا يصح من باب الإطلاق؛ لأن مناحي التحول من نغمة إلى أخرى في قافية الحرف الواحد أكثر من أن تحصى، فنغمة الراء مضمومة تختلف عنها مكسورة ومفتوحة، وهي وما قبلها متحرك غيرها وما قبلها ساكن أو ممدود بحرف علة ، ورنتها في بحر تختلف عنها في بحر آخر، وهكذا إلى ما لا نهاية له.

وغاية ما يقال في هذا الباب أن المعاني الشعرية كاللآلئ المنثورة لا مرشد إلى إحسان نظمها في سمطها خير من سليقة الناظم، فإن جادت الصناعة بهرت البصر وإلا جاءت ركاما بعضها فوق بعض، وذهب خلل بنائها بنضارة روائها.

جوازات الشعر

ليس المقام مقام بحث في بيان اللغة وعروضها، ومع هذا فلا بد لي من إيراد نبذة يسيرة في ما رأيت اجتنابه وإتيانه من الجوازات الشعرية؛ استتماما لبيان النهج الذي نهجته في التعريب.

لو أراد الشاعر أن يحتج لكل خطأ يرتكبه في النظم بشاردة من شوارد شعر العرب لما عدم سبيلا إلى التخلص من معظم ما يتورط فيه عجزا وجهلا، على أن الطويل الباع القويم اليراع تأبي نفسه أن يتورك على شذوذ فارط وقدح ساقط، ولو كان صاحبهما من شيوخ الشعراء كامرئ القيس، وزهير بن أبي سلمى. فأي شاعر مجيد يرتضي جزم المضارع بغير جازم بناء على ورود ذلك في معلقة زهير بقوله:

وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده

Неизвестная страница