فقد لاقيت ذا طرفين حرا
وهذا هو بالنفس نسق هوميروس في استتمام مزايا موصوفاته، وإن هذه الإفاضة في التمثيل ضعفت كثيرا في شعر المخضرمين ومن وليهم.
وقد كان ذلك أسلوب الجاهليين في جميع ما مثلوه بشعرهم مما يتناول أحوال الحرب والسلم، والعادة والخلق، والمعيشة في الإقامة والتسيار.
وإذ كان محسوسهم خشنا ومطالعاتهم غير ممتدة كثيرا إلى ما وراء الحروب، وأخبار القبائل كان معظم شعرهم في ما وافق ذلك المحسوس وتلك المطالعات، فأفاضوا في وصف البوادي والقفار، وأكثروا من وصف معيشتهم وأحوالها ومدح الكرم والوفاء وقرى الضيف، وأسهبوا في ذكر ما لديهم وحواليهم من سلاح وخيل وإبل، وما أشبه من معدات زمانهم ومكانهم.
ومع هذا فإن لغتهم وإن كانت فيها شيء كثير من خشونة معيشتهم، فقد كانت متسعة للغرام، والحكم الرائعة، والحماسة ووصف الشعائر والأخلاق، فتلك جميعها أمور منطبعة في فطرة الجاهلي انطباعيا في نفوس أعرق الخلق في الحضارة، بل ربما كانت أصفى وأنقى في أذهان أبناء البادية، فأي شعر في الفخر والحماسة أسمى من قول السموأل:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها
فليس إلى حسن الثناء سبيل
تعيرنا أنا قليل عديدنا
Неизвестная страница