بدأنا مواجهة الواقع معا، وكنا اتفقنا على تأخير الإنجاب لعامين حتى يستطيع عصام سداد الأقساط نتيجة للزواج، رجوته كثيرا أن يتركني أعمل لأساعده، فيرفض رفضا قاطعا بحجة غيرته الشديدة، فاكتفيت بالعمل من خلال الإنترنت، وكان يدر دخلا معقولا كنت أنفقه كله على البيت. لم أبال يوما بكل ما ينقصني، فكان حب عصام واهتمامه يغنيني عن العالم كله. كنت أجتمع مع إخوتي عند أمي يوم الجمعة، فكان عصام يبقى معي لبعد الغداء ثم ينصرف ويعود لي السبت صباحا لاصطحابي حيث يبيت عند أمه لبعد بيتنا عن والدينا. دعته أمي كثيرا ليبيت معي، لكنه كان يرفض لأن سلوى أحيانا كثيرة ما تبيت معي ويتحجج بأنه يريد أن يتركنا على راحتنا، وأن أمه أيضا لها حق عليه، فاحترمنا رغبته، وكان يغمرني برسائل حبه وشوقه كأنه غائب منذ عامين لا ساعتين، فكنت أسعد الناس بذلك الحب الذي ملأ علي حياتي. ورغم عملي من خلال الإنترنت إلا أني كنت أشعر بالملل والفراغ في ذلك البيت، وخاصة أن عصام لا يعود قبل السادسة مساء، وإما أن يقضي باقي الوقت أمام التليفزيون حتى ينام من التعب أو أن يخرج لملاقاة أصحابه، فأعاني الفراغ أكثر في غيابه، وكم ألححت عليه أن ننجب طفلا؛ ليملأ علي فراغ حياته، لكنه كان يرفض بحجة أن ظروفه المالية لا تحتمل مصاريف طفل، ثم يقبلني ويقول لي إنه لا يريد أن يشاركني فيه أحد، فهو شديد الغيرة.
مر عامان على زواجنا وأنا أعيش مع عصام قصة حب وسعادة لا مثيل لهما، مما أنساني كل أحزاني السابقة. وأردت أن أعبر لعصام عن حبي بشكل مختلف، وأن يكون احتفالنا متميزا، فبعد أن تناولت الغداء مع أسرتي يوم الجمعة طلبت من سليم أن يعيدني لشقتي لأرتب لعصام مفاجأة تسعده وتعبر له عن حبي وامتناني، فوافق سليم حيث إن لديه موعدا مع صديق له قريب من بيتي، وأمهلني ساعتين ليعود ويصطحبني فوافقت. كنت نويت تغيير شكل غرفتنا كما رأيت بعض الصور على الإنترنت، صعدت لشقتنا وفتحت الباب بالمفتاح فوجدت نورا يخرج من غرفتي، فظننت أني نسيته كعادتي قبل نزولي، وعند دخولي الغرفة فوجئت بامرأة ممددة على سريري وترتدي قميص نوم عاريا، وظهرها موجه لي وهي تقول بدلال: أخدت الدوش يا صومه؟ ماتعرفش أد إيه أنا مشتاقة لك.
ألجمتني الصدمة وشلت حركتي وتفكيري، وفي نفس اللحظة خرج عصام من الحمام عاريا يلف نصفه الأسفل بفوطة كبيرة، ودخل الغرفة وهو يجفف شعره بأخرى، وأنا ما زلت على وقفتي المصدومة، وبمجرد أن قذف بالفوطة ورآني أصابه الذهول فقال هامسا: إيه اللي جابك؟
لم أجبه، وإنما نظرت لها، فقد اعتدلت في نومها فانكشف معظم جسدها وأصابها الذهول عندما رأتني، وكتمت شهقتها وغطت جسدها، أمسك عصام بيدي وهو يقول: نهلة أرجوكي اتكلمي أنا ...
لم أستمع لما قاله، فقد انهار جسدي كله متهالكا تحت وطأة الصدمة رافضا أن يستمع لصوته ومبرراته الواهية، وغبت عن العالم وحلقت في عالم آخر كنت أراك فيه يا أبي تضمني لصدرك وتعتذر لي عن غيابك وتعدني ألا تتركني، وأنا متعلقة برقبتك ومتشبثة بك وهناك الكثيرون الذين يجذبونني ليبعدوني عنك، فأصرخ وأقاومهم بقوة، ولكني في النهاية أفقدك، تتركني وحدي في صحراء قاحلة، كان الحلم يتكرر بأشكال مختلفة حتى في النهاية وجدتك أنت تتركني بإرادتك وأنا أرجوك ألا تذهب، ولكنك ذهبت.
أفقت بصعوبة لأتخلص من ذلك الحلم الموجع لأجد أمي بجواري تمسك بيدي باكية، وتأملت المكان من حولي فأدركت أني في مستشفى، وبذلت جهدي لأتذكر سبب وجودي هنا حتى تذكرت غدر عصام وخيانته فانهرت باكية، انتبهت أمي لإفاقتي قبلت يدي ورأسي وضمتني لصدرها وراحت تمسح رأسي وتتلو آيات القرآن، فازدادت دموعي التي كانت تهز كل كياني، وكان جسدي ما زال ضعيفا غير قادر على المقاومة، فخافت أمي علي فطلبت الطبيب الذي جاء ليفحصني، وعندما وجدني منهارة أعطاني حقنة مهدئة أفقت منها بعد عدة ساعات وذهني مشوش، فوجدت سليم بجواري فتشبثت بيده وأنا أبكي فطمأنني وقال: متخافيش أنا معاكي ومش هاسيبك، بس قوليلي مالك.
أشحت بوجهي ورفضت الكلام، فمسح بيده على رأسي وقال: مش أنا أخوكي اللي ما بتخبيش عنه حاجة؟ احكيلي مالك.
سكت ودموعي تنهمر، فقال بهدوء: وقت ما تحبي تتكلمي أنا هاسمعك واعملك اللي يريحك.
فقلت بوهن : الطلاق.
عندها دخل عصام وبمجرد رؤيته صرت أصرخ بهيستيريا حتى حضر الطبيب وأعطاني حقنة مهدئة ومنع الزيارة تماما. أفقت بعد عدة ساعات وكنت بمفردي تلفت حولي فوجدت مشرطا خاصا بفتح أمبولات الحقن على المنضدة، فأخذته وخبأته بعد أن قررت أن أتخلص من حياتي التي كلها كذب وخداع وخذلان من أقرب الناس إلي، فلمن أعيش بعد الآن؟! لأبي الذي خذلني وأنا ما زلت طفلة وتخلى عني وتركني أعاني مرارة الفقد والحرمان وهو موجود؟ أم لزوج ظننته مكافأتي من الدنيا فمنحته قلبي وروحي وحبي بلا حدود ليجزيني بخيانته لي في بيتي وعلى سريري؟ زوج ضحيت من أجله بكل شيء ولم أطلب مقابلا سوى حبه وإخلاصه، أما حبه فكان سرابا خادعا، ولم يكن مخلصا لي، وربما تلك لم تكن أول مرة، فمن أجل من أعيش؟
Неизвестная страница