وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال، والمواعظ التي تقلقل قلوب الرجال، وتكاد تدكدك الجبال، فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد، والتحذير والتبشير، وذكر الموت والمعاد، والنشر والحشر، والحساب والعقاب، والجنة والنار، فصولًا من المواعظ وأصولًا من الزواجر فسموا بذلك الخطباء والوعاظ.
واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير مثل ما ورد في قصة يوسف من البقرات السمان وفي منامي صاحبي السجن وفي رؤية الشمس والقمر والنجوم ساجدات، وسموه تعبير الرؤيا. واستنبطوا تفسير كل رؤيا من الكتاب، فإن عز عليهم إخراجها منه فمن السنة التي هي شارحة للكتاب، فإن عسر فمن الحكم والأمثال، ثم نظروا إلى اصطلاح العوام في مخاطباتهم وعرف عاداتهم الذي أشار إليه القرآن بقوله: ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ .
وأخذ قوم مما في آية المواريث من ذكر السهام وأربابها وغير ذلك علم الفرائض، واستنبطوا منها ذكر النصف، والثلث والربع والسدس والثمن حساب الفرائض ومسائل العول واستخرجوا منه أحكام الوصايا.
ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالات على الحكم الباهرة في الليل والنهار. والشمس والقمر ومنازله والنجوم والبروج وغير ذلك، فاستخرجوا منه علم المواقيت.
ونظر الكتاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ، وبديع النظم. وحسن السياق والمبادي والمقاطيع والمخالص. والتلوين، في الخطاب والإطناب والإيجاز، وغير ذلك فاستنبطوا منه المعاني والبيان، والبديع.
ونظر فيه أرباب الإشارات وأصحاب الحقيقة فلاح لهم من ألفاظه معان ودقايق جعلوا لها أعلامًا اصطلحوا عليها مثل الفناء، والبقاء والحضور، والخوف، والهيبة والأنس، والوحشة، والقبض، والبسط، وما أشبه ذلك.
1 / 15