والحافظ ابن عبد البر مسبوق بالتأليف في هذا النوع من الفن؛ فقد ألف أبو عبيد الجبيري (ت ٣٧٨ هـ) كتابا سماه: التوسط بين مالك وابن القاسم في المسائل التي اختلفا فيها من مسائل المدونة (١). كما ألف يحيى بن إسحاق بن يحيى الليثي الأندلسي (ت ٣٠٣ هـ) الكتب المبسوطة في اختلاف أصحاب مالك وأقواله (٢)؛ وهذا الأخير يعتبر من الأصول العلمية المفقودة المعتمدة عند ابن عبد البر في مؤلفه هذا (٣). وألف يحيى بن عمر الكناني، وهو من كبار علماء القيروان في القرن الثالث الهجرى، كتابا في اختلاف ابن القاسم وأشهب (٤). بل، امتد هذا الاتجاه فى التأليف إلى أول عهد المتأخرين، فألف الخشني كتاب: الإتفاق والاختلاف في مذهب مالك، وكتاب: رأي مالك الذي خالفه فيه أصحابه (٥).
وإذا كان ابن عبد البر قد فاته شرف السبق قي التأليف في هذا الباب، فإنه حاز شرف المشاركة والاستفادة والانتقاء من السابقين، مع حصره لدائرة الاختلاف الفقهي بين إمام المذهب وتلامذته. ولهذه الأسباب جميعا، وإنقاذا لما تبقى من هذا الكتاب التراثي الأندلسى النفيس، قررنا تحقيق الكتاب وإخراجه إلى النور ليسلك طريقه إلى الباحثين في مجال الخلاف الفقهي - النازل
_________
(١) من هذا الكتاب نسخة مخطوطة في خزانة الجامع الكبير بمكناس؛ قام بتحقيقه الأستاذ حسن حمدوشي بجامعة محمد الخامس لنيل دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية. والكتاب لا زال لم ينشر بعد.
(٢) هدا الكتاب اختصره محمد وعبد الله ابنا أبان بن عيسى، ثم اختصر ذلك الاختصار أبو الوليد بن رشد؛ أنظر الديباج المذهب، ٢/ ٣٥٧. ومن مختصر ابن رشد هذا نصوص كثيرة بهامش نسخة مخطوطة من المدونة لسحنون بن سعيد بخزانة القرويين بفاس، تحمل رقم ٧٩٧، وفي الخزانة العامة بالرباط (الكتاني، ٣٤٣). أنظر: الكتب الفقهية لسحنون بن سعيد؛ نشأتها وروايتها، لميكلوش موراني (باللغة الألمانية) stuttgart ١٩٩٩.
(٣) انظر ص ٨٩؛ الحاشية ١.
(٤) انظر الديباج المذهب، ٢/ ٣٥٥. والكتاب حققه حسن حسني عبد الوهاب وطبع ١٩٧٥.
(٥) انظر شجرة النور الزكية، ٩٤.
1 / 9