عبدوس بن زيد صاحب التذكرة كان طبيبا حاذقا خبيرا بعلامات الأمراض منذرا بها قبل وقوعها جميل التحيل للبراء ولما اعتل القاسم بن عبيد الله في حياة أبيه وكان به مرض حاد في تموز وحصل به قولنج صعب وانفرد بعلاجه عبدوس بن زيد وسقاء ماء أصول الكرفس والرازاتج ودهن الخروع وطرح عليه شيئا من ايارج فلما شربه سكن وجعه وقلقه وجاءه مجلسان وأفاق ثم أعطاه من غد ذلك اليوم ماء الشعير فاستظرف هذا منه. علوي الديري المنجم من أهل قرية من قرى صعيد مصر تعرف بدير البلاص شمالي فوص بنصف نهار في لحف جبل بوقيراط قرية نزهة غربي النيل لها بساتين ونخل وكان علوي مقيما بها ولم يزل فيها في دار له يقصده من يأخذ عنه علمه ويعمل التقاويم ويسيرها إلى أجلاء أهل البلد فيبر من جهتهم ويسير المواليد ويدقق النظر في ذلك ويعرف من المنطق كتاب ايساغوجي شرح متى لا يتعداه في سواه ويدعي أنه رصد كوكبا ووقف له وأخدمه الكوكب بعض روحانيته وكان يقول أن اسم الروحاني أبو الورد وكان يدعي أنه يستخدم الجن ويبرئ المعتوه من المس واجتمعت به بدير البلاص لإبراء نسيب لي كان قد أسكت وأدركته بهتة فلم يأت بشيء وكنا قد مضينا به إلى الدير فنزلنا بمسجد فيه رجل مغربي بعلم الصبيان فلما كان آخر النهار طلبنا ما نعلفه الدواب فلم نجده بالقرية وتغير أهلها عنه خسة منهم ولم يكن الشيخ ممن يطلب منه شيء من ذلك لانقطاعه إلى سبب ضعيف في الارتزاق فسيرنا إلى قرية أخرى قاطع النيل اسمها ابنون من أحضر ما أردناه بعد ليل وبتنا بالمسجد فلما كان في أثناء الليل دق باب المسجد ففتحناه فإذا رجل مشدود الوسط وبيده ضوء ومعه من يحمل جفنة كبيرة وقد عمل فيها نبالة بدجاج متعدد وبيض إلى غير ذلك وأخذ في الاعتذار فسألناه من هو فقال أنا رجل غريب من أهل مصر نزلت هذه الضيعة من مدة مديدة ولي زوجة تغشى أهلكم بقفط ويشملها بركم اسمها أم سراج وما علمت بقدومكم إلا بعد ليل وهي تعتذر من الغفلة فشكرناه على ذلك وأخذت لوحا من ألواح الصبيان وكتبت فيه على سبيل الهذل لا الجد:
جزيت أم سراج كل مكرمة ... فليس في الدير للأضياف إلاك
ولا سقى الله أرضا قد حللت بها ... ودمت في نعمة الباري وحياك
فأنت كالورد حل الشوك جانبه ... أباد ربي شوكا حل مغناك
وقرأها الجماعة وضحكوا منها وأردت محوها من اللوح وأنسبتها ورحلنا بصاحبنا بكرة النهار وهو على حاله لم يزل عنه الألم ولما حضر الصبيان إلى الكتاب بعدنا رأوا الأبيات فقرؤوها وحفظوها وأنشدوها في طرقهم وسمعها المشائخ فعز عليهم ما جرى وركبوا بجملتهم وجاؤوا مشايخ فقط شاكين من القول فيهم وأظهروا جزعا من الهجو لعربية منهم فاعتذر الجماعة إليهم وعادوا منكرين ومات علوي فيما بلغني في حدود سنة خمس وتسعين وخمسمائة وكان له هناك ذكر.
حرف الغين المعجمة
في أسماء الحكماء
غراب الخطيب الصقلي هذا رجل من حكماء يونان من أهل جزيرة صقلية وكان عني من الفلسفة بصناعة الخطابة المنتجة للإقناع وقام بها إلى أن مهر فيها وتقدم على أهل زمانه وسار إليه الطلبة لاستفادة ذلك منه وكان من جملة قاصديه فتى من يونان يقال له تيسناس ورغب إليه في تعلم الخطابة وضمن له عن ذلك مالا معينا فأجاب برغبته وعلمه فلما لقتها حاول الغدر به ورام فسخ ما وافقه عليه فقال له يا معلم حد لي الخطابة فحد بأنها مفيدة الإقناع فتمسك بالحد وبنى عليه قياسا وقال إنني أناظرك الآن في الأجرة فإن أقنعتك بأني لا أدفعها إليك لم أدفعها إذ قد أقنعتك بذلك وأن لم أقدر على إقناعك فلست أعطيك شيئا لأني لم أتعلم منك الخطابة التي هي مفيدة الإقناع فأجابه المعلم وقال أنا أيضا أناظرك فإن أقنعتك بأنه يجب لي حقي منك أخذته أخذ من أقنع وإن لم أقنعك فيجب أيضا أخذه منك إذ قد أنشأت تلميذا يستظهر على معلمه فقال من حضر بيض ردي لغراب ردي أي تلميذ نكد ومعلم نكد.
حرف الفاء
في أسماء الحكماء
Страница 108