سقراط يعرف بسقراط الحب لأنه سكن حبا وهو الدن مدة عمره ولم ينزل بيتا الحكيم المشهور الفاضل الكامل النزه المنخلي عن تنزهات هذا العالم الفاني الناظر إلى ما فيه يعين الحقيقة كان من تلاميذ فيثاغورس واقتصر من الفلسفة على العلوم الإلهية وأعرض عن ملاذ الدينا ورفضها وأعلن بمخالفة اليونانيين في عبادتهم الأصنام وقابل رؤسائهم بالحجج والأدلة فثوروا عليه العامة واضطروا ملكهم إلى قتله فأودعه ملكهم الحبس توصلا إلى قلوبهم وتسكينا لتبرئتهم ثم أسقاه السم تفاديا من شرهم بعد مناظرات جرت له مع الملك محفوظة وله وصايا شريفة وآداب فاضلة وحكم مشهورة ومذاهب في الصفات قريبة من مذاهب فيثاغورس وأبيذقليس إلا أن له في شأن المعاد آراء ضعيفة بعيدة عن محض الفلسفة خارجة عن المذاهب المحققة. وذكر بعض من له عناية بالتاريخ أن سقراط شامي وكان الغالب عليه الفلسفة والنسك والتأله لم يكن له تآليف في الكتب ومات مقتولا قتله ملك زمانه إذ زجره عن القبائح والفحشاء ولم يبن دارا ولا اتخذ سكنا وكان يأوي إلى دن وكان يشتمل بكساء ولم يتخذ لنفسه غيره ومر به ملك ناحيته فقال له الملك أنت عبد لي قال سقراط وأنت عبد لعبدي قال وكيف قال لأني رجل أملك شهوتي المردية وأنت لا تملك شهوتك فأنت عبد عبدي قال له الملك فما حملك على اتخاذ الدن قال له سقراط قطعت عن نفسي مؤونة كل دائر ودارس قال فإن انكسر الدن قال سقراط ثم المكان فانصرف الملك عنه ثم تكلم في أمره سرا مع خاصته وكانوا على المجوسية وعلى عبادة النجوم فأشاروا عليه بقتله فبلغ سقراط ذلك فلم يزل عن مكانه وقال الموت ليس بشر ولكنه خير وحالة الإنسان بعد الموت أتم واخذ وأتى به الملك وشهد عليه سبعون شيخا أنه أفسد القول في آلهتهم فأمر به إلى القتل فبكت زوجته فقال لها ما يبكيك قالت تقتل بلا حق قال لها وإنما طلبت أن أقتل بحق وقال له بعض تلاميذه قيد لنا علمك في المصاحف قال ما كنت العلم في جلود الضأن وقال له رجل ما ماهية الرب فقال القول فيما لا يحاط به جهل وسأله رجل التي خلق لها العالم فقال ما العلة جود الله. وكان سقراط في زمن أفلاطون ولما أكثر سقراط على أهل بلده الموعظة وردهم إلى الالتزام بما تقتضيه الحكمة السياسية ونهاهم عن الخيالات الشعرية وحثهم على الامتناع عن اتباع الشعراء عز ذلك على أكابرهم وذوي الرئاسة منهم واجتمع على أذاه عند الملك والإغراء به أحد عشر قاض من قضاتهم في ذلك الزمن فتكلموا فيه بما أفسد عليه قلب الملك وزينوا له قتله والراحة منه ميلوا له أنه بقي في دولته أفسدها وربما يخرج الملك بأقواله عن يده فقال الملك إن قتلته ظاهرا ساءت سمعتي واستجهلني أهل مملكتي والمجاورون لي فإن قدر الرجل لديهم كبير وذكره في الآفاق سائر فقالوا نتحيل له في سم نسقيه فأسجنه أياما فأمر بسجنه ولما حبس الملك سقراط بقي في الحبس أشهرا بعد فتيا قضاة مدينة اثيلس بقتله فقال فاذن للذي سأله واسمه خقراطيس يا خقراطيس قد كان الخبر على ما أبلغك وذلك أنه قضى عليه القضاة بالقتل وقد كلل مؤخر المركب الذي يبعث في كل سنة إلى الهيكل المرسوم بهيكل ايرعون وكانوا إذا كللوا مؤخر المركب الذي يحمل فيه ما يحمل في كل سنة إلى ذلك الهيكل لم تتلف نفس علانية بإراقة دم ولا غيره حتى يرجع المركب إلى اثينس وأنه عرض للمركب في البحر عارض منعه من المسير فأبطئ فتله تلك الشهور فلم يقتل حتى انصرف المركب قال فإذن وكنا جماعة من أصحابه تختلف إليه تتوافى في كل يوم في الغلس فإذا فتح باب السجن دخلنا إليه فأقمنا عنده أكثر نهارنا فلما أن كان قبل قدوم المركب بيوم أو يومين وافيت الغلس فأصبت اقريطون قد سبقني فلما فتح الباب دخلنا معا فصرنا إليه فقال له اقريطون أن المركب داخل غدا أو بعد غد وقد أزف الأمر وقد سعينا في أن تدفع عنك مالا إلى هؤلاء القوم وتخرج خفيا فتصير إلى رومية فتقيم بها حيث لا سبيل لهم عليك فقال سقراط يا اقريطون قد نعلم أنه لا يبلغ ملكي أربعمائة درهم وأيضا فإنه يمنع من هذا الفعل ما لا يجوز أن يخرج عنه فقال له اقريطون لم أقل هذا القول على أنك تغرم شيئا وإنا لنعلم أنه ليس لك ولا في وسعك ما سأل القوم ولكن أموالنا متسعة لك بذلك وبمثله أضعافا كثيرة وأنفسنا طيبة لنجا لمن وإلا نفجع بك فقال يأبى قريطون هذا البلد الذي فعل بك ما فعل هو بلدي جنسي وقد نالني فيه من جنسي ما قد رأيت وأوجب على فيه القتل ولم يوجب علي لشيء أستحقه بل لمخالفتي الجور وطعني على الأفعال الجائرة وأهلها والحال التي وجب علي بها عندهم القتل هي معي حيث توجهت وغني لا أدع نصرة الحق والطعن على أهل الباطل والمبطلين وأهل رومية أبعد مني رحما من أهل مدينتي فهذا الأمر إذا كان باعثه على الحق ونصرة الحق حيث توجهت واجبة على فغير مأمون هناك على مثل ما أنا فيه ثم لا يعطف واحدا منهم على رحم يفديني بها فقال له اقريطون فتذكر ولدك وعيالك وما تخاف عليهم من الضيعة وارحمهم إن لم تشفق على نفسك فقال الذي يلحقهم من الضيعة برومية كذلك ولكنهم ها هنا أحرى بأن لا يضيعوا معكم خبرني يا اقريطون لو أن الناموس مثل رجلا فقال بل يا سقراط أليس بي اجتمع أبواك وبي كان تأديبك وبي تدبير حياتك أكنت أقول لا أم أقول الحق الذي هو الإقرار بذلك فقال له بل الحق قال سقراط فرأيت إن قال لي أفي العدل يظلمك ظالم فتظلم آخر أفكان يجوز أن أقول نعم فقال اقريطون لا يجوز أن تقول نعم قال له فإن قال لي يا سقراط فإن ظلمك القضاة الحد عشر فألزموك ما لا تستحق يجب أن تظلمني فتلزمني ما لا استحق فهل يجوز لي أن أقول نعم قال له قريطون لا يجوز ذلك قال له سقراط فإن قال أفخروجك من الصبر على ما حكم به الحاكم خروج عن الناموس ونقص له أن لا أيجوز أن أقول ليس بنقص وخروج عن الناموس فقال له اقريطون لا يجوز ذلك فقال له سقراط فإذا لا يجب إن ظلمني هؤلاء القضاة أن اظلم الناموس ودار بينهما في ذلك كلام كثير فقال له قريطون إن كنت تريد أن تأمر بشيء فتقدم فيه فإن الأمر قد أزف فقال يشبه أن يكون كذلك لأني قد رأيت في منامي قبل أن تدخل علي ما يدل على ذلك.ا يدل على ذلك. فلما كان ذلك اليوم الذي عزموا فيه على قتله بكرنا كالعادة فلما جاء قيم السجن فرآنا فتح الباب وجاء القضاة الأحد عشر فدخلوا ونحن مقيمون على الباب فلبثوا مليا فخرجوا من عنده وقد قطعوا حديده ثم داءنا السجان فقالوا ادخلوا فدخلنا وهو على سرير كان يكون عليه فسلمنا وقعدنا فلما استقر بنا المجلس نزل عن السرير ونزل معنا أسفل منه وكشف عن ساقيه فمسحهما وحكهما ثم قال ما أعجب فعل السياسة الإلهية كيف قرنت الأضداد بعضها ببعض فإنه لا يكون لذة إلا وتبعها ألم ولا ألم إلا وتبعته لذة فإنه قد عرض لنا بعد الألم الذي كنا نجده من ثقل الحديد في موضعه لذة وكان هذا القول منه سببا للقول في الأفعال النفسانية ثم اطرد القول بينهم في النفس حتى أتي على جميع ما سئل عنه من أمرها بالقول المتقن المستقصى ووافي ذلك منه على مثل الحال التي كان يعهد عليها في حال سروره من البهج والمزح في بعض المواضع وكلتا تتعجب منه أشد التعجب من صرامة نفسه وشدة استهانته بالنازلة التي قد نهكتنا له ولفراقه وبلغت منا وشغلتا كل الشغل ولم يشغله عن تقصي الحق في موضعه ولم يزل شيء من أخلاقه وأحوال نفسه التي كان عليها في زمن أمنه الموت وقال له سيماس في بعض ما يقول له وأمسك بعض الإمساك عن السؤال أن التقصي في السؤال عليك مع هذه الحال لثقل علينا شديد وسماجة فاحشة وأن الإمساك عن التقصي في البحث لحسرة علينا غدا عظيمة لما نعدم في الأرض من وجود الفاتح لما تريده فقال له يا سيماس لا تدعن التقصي لشيء أردته فإن تقصيك لذلك هو الذي أسر به وليس بين هذه الحال عندي وبين الحال الأخرى فرق في الحرص على تقصي الحق فإنا وإن كنا نعدم أصحابا ورفقاء إشرافا محمودين فاضلين فإنا أيضا إذ كنا معتقدين متيقنين بالأقاويل التي لم تزل منا نصير إلى إخوان فاضلين إشراف محمودين منهم اسلاؤس واملوس وارقيليس وجميع من سلف من ذوي الفضائل الإنسانية وعدد أقواما غير من ذكرنا فلما تصرم القول في السفس وبلغوا من سؤالهم الغرض الذي أرادوا سألوه عن هيئة العالم وما عنده من الخبر في ذلك فقال أما ما اعتقدناه وبيناه فهو أن الأرض كروية وأن الأفلاك محيطة بها ومحيط بعضها ببعض الأعظم بالذي يليه في العظم وأن لها من الحركات ما قد جرت العادة بالقول به وسمعتموه منا كثيرا فأما ما وصف أناس آخرون فإنهم وصفوا شيئا كثيرا ثم قص قصصا طويلة في ذلك مما ذكره الشعراء اليونانيون القائلون في الأشياء الإلهية كاوميروس وارقاؤس وأسيدوس وابيذقليس ثم قال أما ما قلنا في النفس وفي هيئة الأرض والأفلاك فلم نخدع فيه ولم نقل غير الحق فأما هذه الأشياء الأخر فإنه ليس بحثها من فعل رجل حكيم فلما فرغ من ذلك قال أما الآن فأظنه قد حضرت الساعة التي ينبغي أن نستجم فيها فلا نكلف النساء إحمام الموتى في صيوان الحكم فإن الأمر يأتي يعني السياسة قد دعتنا ونحن ماضون إلى اذوس فإن الأمر فان ونحن ماضون إلى تراوس وأما أنتم فتنصرفون إلى أهاليكم ثم نهض ودخل بيتا يستحم فيه فأطال اللبث فيه ونحن نتذاكر ما نزل بنا من فقده وإنا نعدم أبا شفيقا وتبقى بعده كاليتامى ثم خرج إلينا وقد استحم فجلس ودعا بولده ونسائه فأتى بهم وكان له ابنان صغيران وابن كبير فودعهم وأوصاهم بالذي أراد وأمر بصرفهم فقال له قريطون ما الذي تأمرنا به أن نفعله في ولدك وأهلك وغير ذلك من أمرك فقلت لست آمركم بشيء جديد بل هو الذي لم أزل آمركم به من الاجتهاد في إصلاح أنفسكم فإنكم إذا فعلتم ذلك سررتموني وسررتم كل من هو مني بسبيل فقال له اقريطون فما الذي تأمرنا بك أن نعمل إذا مت فضحك ثم التفت إلى جماعتنا فقال أن قريطون لا يصدق بجميع ما سمع مني ولا أن الذي يخطب ويخاطبه منذ اليوم هو سقراط ولا يظن أن الذي يفعل ذلك به ليس الأجد سقراط وأنا أظن الآن أنني سأفر منكم بعد ساعة فإن وجدتني يا قريطون فافعل بي ما تشاء فأقبل خادم الأحد عشر قاضيا فوقف بين يدي سقراط فقال له يا سقراط إنك حري معها أرى وما عرفته منك قديما أن لا تسخط علي عندما آمرك به من أخذ الدواء اللازم باضطرار لأنك تعلم أتي لست علة موتك وأن علة موتك قضاء الحد عشر وإني مأمور بذلك مضطر إليه وإنك أفضل من جميع من صار إلى هذا الموضع فاشرب الدواء بطيبة نفس واصبر على الاضطرار اللازم ثم رزقنا بعينيه وانصرف عن الموضع الذي كان واقفا فيه بين يدي سقراط فقال سقراط نفعل ذلك ثم التفت إلينا فقال ما أهيأ هذا الرجل قد كان يدخل إلي كثيرا فأراه فاضلا في مذهبه ثم التفت إلى اقريطون فقال له مر الرجل أن يأتي بشربة موتى غم كان قد سحقها وإن كان لم يسحقها فليجد سحقها وليأت بها فقال اقريطون الشمس بعد على الجدار وعليك من النهار بقية فقال له سقراط قل للرجل حتى يأتي بالشربة فدعا اقريطون غلاما له فأصغى إليه بشيء فخرج الغلام مسرعا فلم يلبث أن دخل ومعه الرجل وفي يده الشربة فنظر إليه كما ينظر الثور الفحل إلى ما يهابه ثم مد يده فتناولها والتفت إليه وقال له يمكن أن تخلف من هذه الشربة شربة لإنسان آخر فقال إنما تدق منها ما يطفي الرجل الواحد فقال له أنت عالم بما ينبغي أن يعمل إذا شربت فأمر بذلك قال ليس هو إلا أن تتردد بعد شربها فإذا وجدت ثقل في رجليك استلقيت فشربها فلما رأيناه قد شربها رهقنا من البكاء والأسف ما لم نملك معه أنفسنا وعلت أصواتنا بالبكاء فأقبل علينا يلومنا ويعظنا ثم قال إنما صرفنا النساء لئلا يكون مثل هذا فأما الآن فقد كان منكم أعظم فأما أنا فسترت وجهي وكنت أبكي بكاء شديدا على نفسي إذ عدمت صديقا مثله ثم سكتنا استحياء منه وأخذ في التردد هنيهة ثم قال للرجل قد ثقلت رجلاي فأمره بالاستلقاء وجعل يجس قدميه ثم غمرهما فقال له هل تحس غمزي قال لا ثم غمزه غمزا شديدا فقال له هل تحس غمزي قال لا ثم غمز ساقيه وجعل يسأله ساعة بعد ساعة هل تحس فيقول لا ورأيناه يجمد أولا فأولا ويشتد برده حتى انتهى إلى حقوبه ثم غمزه فلم يحس بذلك فكشف عنه وقال لنا إذا انتهى هذا البرد إلى قلبه قضى عليه ثم قال سقراط لقريطون اسفلابيوس عندما ديك فأعطوه إياه وعجلوه فقال له اقريطون نفعل ذلك وإن كنت تريد شيئا آخر فقل فلم يجبه وشخص ببصره فأطبق قريطون عينيه وشد لحيته فهذا خير سقراط صاحبنا الذي لا نعلم أحدا في دهرنا من اليونانيين كان أفضل منه فقال له خقراطيس فمن كان حاضرا فقال جماعة كثيرة من أصحاب سقراطيس فقال هل أكان أفلاطون حاضركم قال لا لأنه كان مريضا لا يقدر على الحضور .ه يا سقراط إنك حري معها أرى وما عرفته منك قديما أن لا تسخط علي عندما آمرك به من أخذ الدواء اللازم باضطرار لأنك تعلم أتي لست علة موتك وأن علة موتك قضاء الحد عشر وإني مأمور بذلك مضطر إليه وإنك أفضل من جميع من صار إلى هذا الموضع فاشرب الدواء بطيبة نفس واصبر على الاضطرار اللازم ثم رزقنا بعينيه وانصرف عن الموضع الذي كان واقفا فيه بين يدي سقراط فقال سقراط نفعل ذلك ثم التفت إلينا فقال ما أهيأ هذا الرجل قد كان يدخل إلي كثيرا فأراه فاضلا في مذهبه ثم التفت إلى اقريطون فقال له مر الرجل أن يأتي بشربة موتى غم كان قد سحقها وإن كان لم يسحقها فليجد سحقها وليأت بها فقال اقريطون الشمس بعد على الجدار وعليك من النهار بقية فقال له سقراط قل للرجل حتى يأتي بالشربة فدعا اقريطون غلاما له فأصغى إليه بشيء فخرج الغلام مسرعا فلم يلبث أن دخل ومعه الرجل وفي يده الشربة فنظر إليه كما ينظر الثور الفحل إلى ما يهابه ثم مد يده فتناولها والتفت إليه وقال له يمكن أن تخلف من هذه الشربة شربة لإنسان آخر فقال إنما تدق منها ما يطفي الرجل الواحد فقال له أنت عالم بما ينبغي أن يعمل إذا شربت فأمر بذلك قال ليس هو إلا أن تتردد بعد شربها فإذا وجدت ثقل في رجليك استلقيت فشربها فلما رأيناه قد شربها رهقنا من البكاء والأسف ما لم نملك معه أنفسنا وعلت أصواتنا بالبكاء فأقبل علينا يلومنا ويعظنا ثم قال إنما صرفنا النساء لئلا يكون مثل هذا فأما الآن فقد كان منكم أعظم فأما أنا فسترت وجهي وكنت أبكي بكاء شديدا على نفسي إذ عدمت صديقا مثله ثم سكتنا استحياء منه وأخذ في التردد هنيهة ثم قال للرجل قد ثقلت رجلاي فأمره بالاستلقاء وجعل يجس قدميه ثم غمرهما فقال له هل تحس غمزي قال لا ثم غمزه غمزا شديدا فقال له هل تحس غمزي قال لا ثم غمز ساقيه وجعل يسأله ساعة بعد ساعة هل تحس فيقول لا ورأيناه يجمد أولا فأولا ويشتد برده حتى انتهى إلى حقوبه ثم غمزه فلم يحس بذلك فكشف عنه وقال لنا إذا انتهى هذا البرد إلى قلبه قضى عليه ثم قال سقراط لقريطون اسفلابيوس عندما ديك فأعطوه إياه وعجلوه فقال له اقريطون نفعل ذلك وإن كنت تريد شيئا آخر فقل فلم يجبه وشخص ببصره فأطبق قريطون عينيه وشد لحيته فهذا خير سقراط صاحبنا الذي لا نعلم أحدا في دهرنا من اليونانيين كان أفضل منه فقال له خقراطيس فمن كان حاضرا فقال جماعة كثيرة من أصحاب سقراطيس فقال هل أكان أفلاطون حاضركم قال لا لأنه كان مريضا لا يقدر على الحضور. سنبليقيوس مهندس رياضي كان بعد زمن إقليدس وكان في زمنه مذكورا وعلمه من هذا النوع موفورا تصدر لإفادة هذا الشأن بأرض يونان واشتهر هناك ذكره وعلا أمره وكان له أصحاب وأتباع يعرفون وكان رومي الجنس وله تصانيف مشهورة منها كتاب شرح كتاب إقليدس وهو المدخل إلى علم الهندسة وغيره.
سند بن علي المنجم المأموني منجم فاضل خبير بتسيير النجوم وعمل آلات الأرصاد والاصطرلاب وكان واحد الفضلاء في وقته اتصل بخدمة المأمون وندبه المأمون إلى إصلاح آلات الرصد وأن يرصد بالشماسية ببغداد ففعل ذلك امتحن مواضع الكواكب ولم يتمم الرصد لأجل موت المأمون ولسند هذا زيج مشهور يعمل به المنجمون إلى زمننا هذا وكان يهوديا وأسلم على يد المأمون وهو الذي بني الكنيسة التي في ظهر باب الشماسية في حريم دار معز الدولة وجعله المأمون ممتحنا للأرصاد لما تقدم بعملها ثقة ببصره وله تصانيف في النجوم والحساب مشهورة.
سابور بن سهل صاحب بيمارستان جند يسابور وكان فاضلا عالما متقدما في هذا النوع وله تصانيف مفيدة مشهورة منها كتاب الاقرباذين المعمول عليه في البيمارستانات ودكاكين الصيادلة اثنان وعشرون بابا وتوفي نصرانيا في يوم الاثنين لتسع بقين من ذي الحجة سنة خمس وخمسين ومائتين.
سلمويه بن بنان كان طبيبا فاضلا في وقته خدم المعتصم وخص به حتى أن المعتصم لما مات سلمويه سألحق به لأنه كان يمسك حياتي ويدبر جسمي ولما ملك المعتصم في سنة ثماني عشرة ومائتين اختار لنفسه سلمويه هذا وأكرمه.
وقال حنين أن سلمويه كان عالما بصناعة الطب ولما مرض عاده المعتصم وبكى عنده وقال له أشر علي بعدك بمن يصلحني فقال عليك بهذا الفضولي يوحنا بن ماسويه وإذا وصف شيئا فخذ أقله أخلاطا ولما مات امتنع المعتصم عن الأكل في ذلك اليوم وأمر بإحضار جنازته إلى الدار وأن يصلى عليها بالشمع والبخور على رأي النصارى ففعل ذلك وهو يراهم وكان المعتصم قويا وكان سلمويه يقصده في السنة مرتين ويسقيه عقيب كل فصد دواء فلما باشره يوحنا أراد عكس ما كان يفعله سلمويه فسقاه الدواء قبل الفصد فلما شرب الدواء حمي دمه وحم وما زال جسمه ينقص حتى مات وذلك بعد عشرين شهرا من وفاة سلمويه. وكانت بين الحسين بن عبد الله وبين سلمويه مودة فقال دخلت عليه يوما فوجدته قد خرج من الحمام وهو متململ والعرق يسيل من جبينه فجلس وجاءه خادم بمائدة صغيرة عليها دراج مشوي وشيء أخضر في زبدية وثلاث رقاقات وفي سكرجة خل فأكل الجميع واستدعى مقدار وزن درهمين سرابا فمزجه وشربه وغسل يده بماء ثم أخذ في تغيير ثيابه والبخور أقبل يحادثني فقلت له ما صنعت فقال أنا أعالج السل منذ ثلاثين سنة لم آكل في جميعها غير ما رأيت وهو دراج مشوي وهنديا مسلوقة مطجنة بدهن اللوز وهذا المقدار من الخل وإذا خرجت من الحمام احتجت إلى مبادرة الحرارة بما يسكنها لئلا تعطف على بدني فتأخذ من رطوبته فأشغلها بالغذاء ليكون عطفها عليه ثم أتفرغ لغيره وكان سلمويه قد اكتسب من خدمة الخلفاء سياسة اقترنت بعقله فحدث له منها حسن الرأي والنظر في العواقب لنفسه ولغيره ممن يستنصحه.
Страница 93