ولما كان في سنة اثنتين وخمسين ومائة مرض جورجيس مرضا صعبا وكان المنصور يرسل إليه في كل يوم يتعرف خبره ولما اشتد مرضه أمر بحمله على سرير إلى دار العامة وخرج ماشيا إليه وتعرف خبره وسأله عن حاله فخبره جورجيس بها وقال أن رأي أمير المؤمنين أن يأذن لي في الانصراف إلى بلدي لأنظر أهلي وولدي فإن مت قبرت مع آبائي فقال له يا جورجيس اتق الله وأسلم وأنا أضمن لك الجنة فقال له رضيت حيث آبائي في الجنة أو في النار فضحك المنصور من قوله ثم قال له إني منذ رأيتك وجدت رائحة من الأمراض التي كانت تعتادني فقال جورجيس أنا أخلف بين يدي أمير المؤمنين عيسى وهو تلميذي وتربيتي فقال كيف علمه في الصناعة قال ماهر قال المنصور ألا أحضرت لنا ولدك بختيشوع قال جورج البيمارستان بجند يسابور محتاج إليه ومفتقر إلى مثله وأهل البلد كذلك فأمر المنصور بإحضار عيسى بن شهلافا فلما مثل بين يديه سأله عن أشياء فوجده ماهرا فأمر لجورجيس بعشرة آلاف دينار وأذن له في الانصراف وأنفذ معه خادما وقال له إن مات في الطريق فاحمله إلى منزله ليدفن هناك كما أحب فوصل إلى بلده حيا. جابر بن حيان الصوفي الكوفي كان متقدما في العلوم الطبيعية بارعا منها في صناعة الكيمياء وله فيها تآليف كثيرة ومصنفات مشهورة وكان مع هذا مشرفا على كثير من علوم الفلسفة ومتقلدا للعلم المعروف بعلم الباطن وهو مذهب المتصوفين من أهل الإسلام كالحارث بن أسد المجاشي وسهل بن عبد الله التستري ونظرائهم.. وذكر محمد بن سعيد السرقسطي المعروف بابن المشاط الاصطرلابي الأندلسي أنه رأي لجابر بن حيان بمدينة مصر تآليفا في عمل الاصطرلاب يتضمن ألف مسألة لا نظير له.
حرف الحاء المهملة
في أسماء الحكماء
الحارث بن كلدة بن عمر بن علاج الثقفي طبيب العرب في وقته أصله من ثقيف من أهل الطائف رحل إلى أرض فارس وأخذ الطب عن أهل تلك الديار من أهل جند يسابور وغيرها في الجاهلية وقبل الإسلام وجاد في هذه الصناعة وطب بأرض فارس وعالج وحصل له بذلك مال هناك وشهد أهل بلد فارس ممن رآه بعلمه وكان قد عالج بعض أجلائهم فبرأ وأعطاه مالا وجارية سماها الحارث سمية ثم أن نفسه اشتاقت لبى بلاده فرجع إلى الطائف واشتهر طبه بين العرب وسمية جاريته هي أم زياد بن أبيه الذي ألحقه معاوية بنسبه وذكر أن أبا سفيان وطئ سمية بالطائف سفاحا فحملت به منه وولدت ولدين قبل زياد أحدهما أبو بكرة ونافع أخوه فانتسبا إلى الحارث بن كلدة وادعيا أنه وطئ مولاته سمية فولدتهما منه وأدرك الحارث بن كلدة الإسلام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر من كانت به علة أن يأتيه فيسأله عن علته.
قال سعد مرضت فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي فقال أنك رجل مفؤد ائت الحارث بن كلدة أخا ثقيف فإنه يتطبب فمره فليأخذ سبع ثمرات فليجأهن بنواهن وليدلك بهن رواه صدقة المروزي عن أبي عتيبة.
وروى محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال مرض سعد وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فعاده رسول الله فقال يا رسول الله ما أراني إلا لما بي فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني لأرجو أن يشفيك الله حتى يضربك قوم وينتفع بك آخرون ثم قال للحارث بن كلدة عالج سعدا مما به فقال والله إني أرجو شفاءه فيما معه في رحله هل معكم من هذا الثمر العجوة شيء قالوا نعم فخلط له الثمر بالحلبة ثم أوسعها سمنا ثم أحساه إياه فكأنما أنشط من عقال.
قال عبد الرحمن بن أبي بكرة قال الحارث بن كلدة وكان من أطب العرب من سره البقاء ولا بقاء فليباكر الغداء وليخفف الرداء وليقل غشيان النساء.. قال محمد بن زياد الأعرابي وكان له في النحو واللغة خفة الرداء أن لا يكون عليه دين.
قال أبو عمرو ومات الحارث بن كدلة في أول الإسلام ولم يصح إسلامه قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص بأن يأتيه فيستوصفه في مرض نزل به فيدل أمه جائز أن يشاور أهل الكفر في الطب إذ كان من أهله والله أعلم وكان الحارث بن كلدة يضرب العود تعلم ذلك أيضا بفارس واليمن وبقي إلى زمن معاوية فقال له معاوية ما الطب يا حارث فقال الأزم يا معاوية يعني الجوع.
Страница 73