وأقام جبرائيل ببغداد مدة ثلاث سنين واعتل خشروشاه ملك الديلم ونحف جسمه وقوي استشعاره وكان عنده أطباء كلما عالوه ازداد مرضه فأنفذ إلى الصاحب يلتمس منه طبيبا فقال ما أعرف من يصلح لهذا غير جبرائيل فكاتب الصاحب عضد الدولة وسأله إنفاذه فأنفذه مكرما ولما وصل إلى الديلمان أقام عند الملك وباشر بتدبيره وعلاجه وعاد بأمر الله إلى حال الصحة وقابله بما يحتمله ملك في حق مثله وسأله أن يعمل له صورة المرض وتدبيرا يعول عليه ويعمل ب فعمل. مقالة ترجمها في ألم لدماغ بمشاركة المعدة والحجاب يعني الحجاب الفاصل بين آلات الغذاء وآلات التنفس المسمى ذيالرغما ولما اجتاز بالصاحب سأله عن أفضل اسطقسات البدن فقال هذا الدم فسأله أن يعمل له كتابا يبرهن فيه على علل ذلك فعمل له . مقالة مليحة بين فيها البراهين التي تدل على هذا ودعاه إلى بغداد وعمل. كناشه الكبير ووسمه بالكافي ووقف منه نسخة على دار العلم ببغداد وعمل في البيمارستان عليها وأنه عرف بذلك الكتاب فيقال أبو عيسى صاحب الكناش وعمل. كتاب المطابقة بين قول الأنبياء والفلاسفة وهو كتاب لم يعمل للشرع مثله لكثرة احتوائه على الأقاويل وذكر المواضع التي استخرجت منها وعمل. مقالة في الرد على اليهود جمع فيها أشياء منها شهادات على صحة مجيء المسيح عليه السلام وأنه قد كان ويطل انتظارهم ومنها صحة القربان بالخبز والخمر ومناه لم جعل من الخمر قربا وأصلحه محرم رأيان علل التحليل والتحريم. وعرض له أن سافر إلى أرض المقدس وصام به يوما واحدا ومضى منه إلى دمشق واتصل خبره بالعزيز بن المعز العلوي المستولي على مصر وكوتب من حضرته بكتاب جميل واستدعي فامتنع واحتج بأن له ببغداد أسبابا ينجزها ويعود إلى الحضرة قاصدا ليفوز بحق القصد ولما عاد إلى بغداد أقام بها وعدل عن المضي إلى مصر ثم أن ممهد الدولة أنفذ إليه ولاطفه حتى توجه إليه إلى ميافارقين لأسقاها الله ولا المستولى عليها صوب الغيث وأخجله وجد له ولا جد له ولا أهمله بعد أن أمهله أعني المستولي عليها الآن ولما وصل إليه إكراما مشهورا ومن ظريف ما جرى له مه أنه أول ستة ورد فيها سقى الأمير مسهلا وقال له يجب أن نأخذ الدواء سحرا فعمد الأمير وأخذه أول الليلي فلما أصبح ركب إلى الدار ودخل إليه وأخ نبضه وسأله عن الدواء فقال ما عمل معي شيئا امتحانا له فقال له جبرائيل النبض يدل على نفاذ دوائي والأمير أصدق فضحك وقال له كم ظنك بالدواء فقال يعمل مع الأمير خمسة وعشرين مجلسا ومع غيره زائدا وناقصا فقال قد عمل إلى الساعة ثلاثة وعشرين فقال هو يعمل تمام ما قلت ورتب له ما يستعمله وخرج من عنده وأمر بأن يشد رحله ويصلح أسباب الانصراف فبلغ ممهد الدولة ذلك فأنفذ إليه يستعلم سبب انصرافه فقال مثلي لا يجرب لأنني أشهر من أن أحتاج إلى تجربة فترضاه وحمل إليه بغلة ودارهم لها قدر.
وفي هذه المدة كاتبه ملك الديلم بكتب جميلة يسأله فيها أن يزوره وكاتب ممهد الدولة يسأله في ذلك فمنعه من المضي وأقام في الخدمة ثلاث سنين وتوفي في يوم الجمعة ثامن شهر رجب سنة ست وتسعين وثلاثمائة للهجرة وكان عمره خمسا وثمانين سنة ودفن في المصلى خارج ميافارقين.
جبرائيل الكحال المأموني كان كحالا واختص بخدمة المأمون وكانت وظيفته في كل شهر ألف درهم وكان المأمون يستخف يده وكان أول من يدخل إليه في كل يوم عند تسليمه من صلاة الغداة ويغسل أجفانه ويكحل عينيه وإذا انتبه من قيلولته فعل مذل ذلك ثم سقطن منزلته بعد ذلك فسئل عن سبب ذلك فقيل أن الحسين الخادم اعتل فلم يكن ياسر عيادته لاشتغاله بالخدمة إلى أن وافى ياسر باب الحجرة التي كان فيها المأمون وقد خرجت من عند المأمون فسألني ياسر عن خبر المأمون فأخبرته أنه قد أغفى فغنم ياسر ما أخبرته من نوم المأمون فسار إلى الحسين فعاده وانتبه المأمون قبل انصراف ياسر فسأله المأمون عن سبب نخلفه فقال ياسر أخبرت بنوم أمير المؤمنين فسرت إلى الحسين فعدته فقال له المأمون زمن أخبرك برقادي فقال ياسر جبرائيل قال جبرائيل فأحضرني ثم قال يا جبرائيل اتخذتك كحالا أو عاملا للأخبار علي أخرج عن داري فأذكرته حرمتي فقال أن له حرمة فليقتصر به على إجراء مائة وخمسين درهما في الشهر ولا يؤذن له في الوصول فلم يخدم جبرائيل المأمون بعدها حتى توفي.
Страница 69