برانيوس هذا فيلسوف رومي مذكور في زمانه بهذا الشأن بين أهل عصره يتعرض لشرح كتب أرسطوطاليس وذكره المترجمون فيمن شرح شيئا من ذلك. بقراط بن إبراقلس إمام فهم معروف مشهور معنى ببعض علوم الفلسفة وهو سيد الطبعيين في عصره وكان فبل الإسكندر بنحو مائة سنة وله في الطب تآليف شريفة موجزة الألفاظ مشهورة في جميع العالم بين المتعنين بعلم الطب ويقال أنه من أهل اسقلبياذس قلت إن كان من ولد اسقلبيوذس الثاني فممكن وإن كان من الأول فمستحيل لأن الجم الغفير من المؤرخين على أن النسل انقطع بالطوفان إلا من ولد نوح وهم سام وحام ويافث وإذا صح ما ذكر بين زمن اسقلبيوس الأول وبين زمن بقراط وهو آلاف سنين كان اسقلبيوس قبل الطوفان وقد انقطع نسله به فلا سبيل لأحد أن ينسب إليه بوجه إلا من ينكر عموم الطوفان من الطوائف القائلة بذلك والله أعلم وكان مسكنه بمدينة فيروها وهي مدينة حمص من بلاد الشام وكان يتوجه إلى دمشق ويقيم في غياضها للرياضة والتعلم والتعليم وفي بساتينها موضع يعرف بصفة بقراط إلى الآن وكان فاضلا متألها ناسكا يعالج المرضى احتسابا طوافا في البلاد جوالا عليها وكان في زمن اردشير من ملوك الفرس وهو جد دارا وذكر جالينوس في رسالته التي ترجمها عن الفاضل بقراط أن اردشير دعاه إلى معالجته من مرض عرض له فأبى عليه إذ كان أردشير عدوا لليونانيين وأن ملكين من ملوك يونان دعاه كل واحد منهما إلى علاج نفسه فأجابهما إلى ذلك إذ كانا حسني السيرة ولما عوفيا من مرضيهما لم يقم عندهما تنزها عن الدنيا وأهلها وقيل أن أردشير لما اشتد مرضه بذل لبقراط ألف قنطار من الذهب على أن يحضر إليه ويعافيه من مرضه فأبي عليه بقراط ولم يجب سؤاله وذكر أن أفليمون صاحب الفراسة كان يزعم في زمانه أنه يستدل بتركيب الأسنان على أخلاق نفسه فاجتمع تلاميذ بقراط وقال بعضهم لبعض هل تعلمون في زماننا هذا أعلم من هذا المرء يعنون بقراط فقالوا لا فقالوا تمتحن به أفلاطون فيما يدعي من الفراسة فصوروا صورة بقراط ثم نهضوا بها إلى أفليمون وكانت يونان تحكم الصورة بحيث تحكيها على الوجه في قليل أمرها وكثيره وسبب ذلك أنهم كانوا يعظمون الصورة ويعبدونها فأحكموا لذلك التصوير وكل الأمم تبع لهم في ذلك ويظهر التقصير من التابعين في التصوير ظهورا بينا فلما حضروا عند أفليمون وقف على الصورة وتأملها وأنعم النظر فيها ثم قال هذا رجل يحب الزنا وهو لا يدري من هو المصور فقالوا كذبت هذه صورة بقراط فقال لا بد لعلمي أن يصدق فاسألوه فلما رجعوا إلى بقراط أخبروه الخبر فقال صدق أفليمون أحب الزنا ولكنني أملك نفسي.
ولبقراط في صدور كتبه وصايا جميلة من التحنن والشفقة على النوع وتطهير الأخلاق من الكبر والعجب والحسد ولما كانت كتب بقراط أقدم كتب الطب المنقولة إلينا وهو أشهر الأطباء الذين انتهت إليهم صناعة الطب وكان بعده في الشهرة جالينوس رأيت أن أذكر أول الطب ومن تكلم عليه وما قاله الناس في أوليته ثم أسوقه إلى زمن بقراط إن شاء الله تعالى.
اختلف في أول من استنبط الطب وفي أول الأطباء قال إسحاق بن حنين في تاريخه قال قوم ان أهل مصر استخرجوا الطب والسبب في ذلك أن امرأة كانت بمصر وكانت شديدة الحزن والهم مبتلاة بالغيظ ومع ذلك كانت ضعيفة المعدة وصدرها مملوء أخلاطا وكان حيضها محتبسا فاتفق أن أكلت الراسن بشهوة منها له فذهب عنها جميع ما كان بها ورجعت إلى صحتها وجميع من كان به شيء مما بها استعمله وبرأ به واستعمل الناس التجربة على سائر الأوجاع.
وقال آخرون أن هرمسا استخرج جميع الصنائع والفلسفة والطب مما استخرجه هو وبعضهم يقول أن أهل قوس ويقال استخرجوها وبعضهم يقول ذلك أن الأدوية التي ألفتها القابلة للملك الذي كان لها وبعض يقول المستخرج لها السحرة وقيل أهل بابل وقيل أهل فارس وقيل الهند وقيل اليمن وقيل الصقالبة.
Страница 43