٣ - لقد أجاد ابن القطان وأفاد في بحثه لمسألة النظر، وما يجوز إبداؤه، وما لا يجوز وغير ذلك من المباحث الكثيرة التي عرض لها، أجاد وأفاد في ربط النصوص الشرعية بمقاصدها، والحكمة من تشريعها، وبيان الغاية منها في تكوين الإِنسان الربَّاني الصالح، وإبعاده عن مواطن الشبه والريبة، والسمو به عن دركات الفاحشة، فكان تعليل النصوص هاجسًا له يسير معه، ويستعين به، وهو ينظر في القرآن الكريم والسنّة المطهرة، فلم يكن نصيًّا جامدًا يقف مع الظواهر أو يحشر المتناقضات، بل كان يوجه النصوص تبعًا لمقاصدها ويوفق بين ما ظاهره التعارض بوضع كلِّ نصٍّ في محله الذي سيق من أجله.
ومَن يقرأ هذا البحث يشعر شعورًا غامرًا بأن فقهاء الإِسلام، كانوا على الدوام أطباء المجتمع، وحرّاس الفضيلة فيه، ومصلحي خلل الأمة، بل كانوا نبضها المتحرك، وروحها الوثَّابة، خبرة ومعرفة بما يجري ويدور في خلد الناس، وجنبات المجتمع، وأعماق الأُسر. . فيدلُّون الناس على الخير، ويجهدون
لهم بالنُّصح، ويضعون نصوص الشريعة طبقًا للغاية التي جاءت من أجلها دون
تعسُّفا أو التواء؛ لأن الحياة بغير ذلك تفسد ولا تستقيم. . ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٩].
٤ - ومن خلال الثمانية الأبواب التي أدار المؤلف كتابه عليها فرَّع كلَّ باب إلى مباحث ومسائل دقيقة جدًّا، استوعب بها ما هو واقع، وما يمكن أن يخطر بالبال في حياة الإِنسان وله تعلق بالنظر والبصر والعورات، والضرورات، وبهذا يمكن الجزم بأن هذا الكتاب موسوعة شاملة فيه ما ليس في غيره من كتب الفقه والتفسير وفقه الحديث، ويغني عن غيره ولا يغني غيره عنه، ويسوق المسائل بمنهجية صارمة وتسلسل دقيق دون تكرار أو إعادة، وقد بلغت مسائله نحوًا من مئة وإحدى وسبعين مسألة.
1 / 13