152

إنه يواجه الآن أزمة بدا عاجزا أمامها. لقد وجد الرجال في العالم ليتم ترهيبهم أو تملقهم أو إبعادهم عن الطريق. فماذا يفعل الرجل مع امرأة تكون لطيفة في لحظة ووقحة في اللحظة التالية، وترفع حاجبيها وتتجاهله عندما يريدها وعندما يقف في انتظارها مشتاقا إليها؟ تلك الأحلام القديمة الملموسة التي كانت تراوده ... الثروة، والسلطة، واسمه في النشرات المهمة، والمكانة العالية في العالم ... هذه الأشياء بدت الآن مثل أحلام يقظة لطفل. لقد مهد السبيل نحوها. لقد وضع بالفعل قدميه على درجات السلم الذي يؤدي إلى النجاح المادي. ولكن كان هذا شيئا مختلفا، شيئا أعظم. ثم غمره شعور باليأس جمد قلبه. شعر بمدى جهله وعجزه. لم يكن قد درس حتى أول كتاب عن الحياة. تلك الصفات التي خدمته من قبل، أصبحت عديمة القيمة هنا. المثابرة، كما أخبرته بياتريس ذات مرة، تزعج المرأة فحسب.

وقف ساكنا خارج مدخل ميلان كورت، ثم انقلب على عقبيه. لقد جلبت له فكرة بياتريس شيئا ما مهدئا معها. شعر أنه يجب أن يراها، يراها في الحال. مشى على طول شارع ستراند ودخل المطعم حيث تناول مع بياتريس عشاء لا ينسى. من الردهة، كان بإمكانه رؤية ظهر جرير وهو يقف يتحدث إلى نادل بجانب طاولة مستديرة في منتصف الغرفة. انسحب تافرنيك ببطء وشق طريقه إلى الطابق العلوي. كان هناك طاولة أو طاولتان صغيرتان في الشرفة، مخفيتان عن الجزء السفلي من الغرفة. جلس إلى إحداهما، وسلم معطفه وقبعته تلقائيا إلى النادل الذي جاء مسرعا.

أوضح الرجل بإيماءة استنكار: «لكن يا سيدي، هذه الطاولات كلها محجوزة.»

وضع تافرنيك، الذي كان يحتفظ بدفتر حساب يسجل فيه حتى مصاريف سيارته، خمسة شلنات في يد الرجل.

وقال بحزم وهو يجلس: «سآخذ هذه الطاولة.»

نظر إليه الرجل واستدار للتحدث إلى رئيس الندل. تحدثا معا في همسات. لم يعرهما تافرنيك أي انتباه. وبدا عليه الإصرار. كان يحدق بثبات إلى تلك الطاولة في الأسفل، بينما هو نفسه غير مرئي بالنسبة إليها. هز رئيس الندل كتفيه وغادر؛ يجب تهدئة زبائنه الآخرين. كان أسلوب تافرنيك حاسما لا يقبل الجدل.

أكل تافرنيك وشرب ما أتوا به، أكل وشرب وعانى. كان كل شيء كما كان في تلك الليلة؛ فرقعة أغطية الزجاجات الفلينية، والموسيقى الهادئة، وضحك النساء، والإحساس اللطيف والمرفه بالدفء والبهجة يغمر المكان كله.

كان كل شيء على حاله، لكنه جلس هذه المرة في الخارج ونظر إليه. كانت بياتريس جالسة بجوار جرير، وعلى جانبها الآخر كان شاب من النوع الذي يكرهه تافرنيك، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه كان يبث فيه إحساسا دائما بالدونية وإن كان هذا الإحساس يراوده من آن لآخر. كان الشاب وسيما وطويلا ونحيفا. تلائمه ملابسه المسائية تماما، وكانت الأزرار ودبابيس الأكمام من أحدث طراز، وكانت ربطة عنقه البيضاء كأنها مرسومة بأصابع فنان. ومع ذلك لم يكن يصلح كنموذج للخياط. قرر تافرنيك أن هذا الرجل، بلا شك، من النبلاء، وراح يراقب بحقد حركة رأسه الراقية، ويستمع أحيانا إلى صوته الرقيق ولكن الضعيف إلى حد ما. كانت بياتريس تضحك له كثيرا. لقد أعجبت به بالطبع. كيف يمكنها ألا تفعل! جلس جرير على الجهة الأخرى منها. هو أيضا كان يتحدث معها كلما سنحت له الفرصة. كان تافرنيك يعاني حمى جديدة، حمى جديدة تشتعل في دمه. كان يغار؛ كان يكره كل الجالسين بالأسفل. وفي خياله رأى إليزابيث مع أصدقائها، على الأرجح تتناول العشاء في مطعم آخر أكثر تألقا، على بعد أمتار قليلة فقط. كان يتخيلها مركز اهتمام الجميع. كانت دون شك تنظر إلى الشخص الجالس إلى جوارها النظرة نفسها التي كانت تنظر بها إليه. عض تافرنيك شفته مقطبا جبينه. إذا كان بمقدرته، في تلك اللحظات الحالكة، أن يلقي صاعقة من مكانه، لكان سيدمر كل طاولات المطعم، ولكان سيشاهد بفرح الوجوه الشاحبة المرتعبة للمحتفلين وهم يفرون بعيدا في ظلام الليل. لقد كان عذابا جديدا مرا لا يوصف. في الواقع، كان فضوله هذا، الذي تحدث عنه مع بياتريس أثناء سيرهما معا في شارع أكسفورد في ليلتهما الأولى، سيرضيه الانتقام! كان يتعلم تلك الأشياء الأخرى في الحياة. كان قد ارتشف الحلو؛ والآن عليه أن يتجرع المر!

شتتت المشاجرة التي نشبت بجانبه انتباهه. مرة أخرى كان هناك رئيس الندل وزبون محتج. نظر تافرنيك إلى الأعلى وتعرف على البروفيسور فرانكلين. بقبعته العريضة الحواف في يده، كان البروفيسور يتحدث بعبارات طلقة ولهجة أمريكية قوية تثير إحساسا بأنه شخص سيئ الطبع لا محالة.

قال: «من الأفضل أن ترسل إلى مديرك على الفور، أيها الشاب. ليلة الثلاثاء أحضرني إلى هنا بنفسه وحجزت هذه الطاولة طوال الأسبوع. لا، أقول لك إنني لن آخذ غيرها! أعتقد أن طلبي كاف. أرسل إلى لويجي الآن. ألا تعرف من أكون؟ اسمي البروفيسور فرانكلين، من نيويورك، وإذا قلت إنني أريد الحصول على شيء، فأنا أتوقع الحصول عليه.»

Неизвестная страница