والجواب: أن القرآن نزل خطابا للعرب على لغتهم وهم لا يعقلون ما ذكرتم من المعاني وإذا لم يعقلوها لم يصح أن يخاطبهم الله تعالى بذلك ويريد منهم فهم المعاني ولم يبين لهم تعالى عقيب الخطاب المعنى الذي قصد منهم فهمه إذ ذلك يجري مجرى الإلغاز والتلبيس وهو تعالى منزه عن ذلك. والذي يعقله أهل اللغة على ما عرف بالنقل الصحيح استعمالهم العلم بمعنى العالم مرة وبمعنى المعلوم أخرى فاستعمالهم العلم بمعنى العالم كقولهم جرى هذا بعلمي أي وأنا عالم به واستعمالهم له بمعنى المعلوم كقولهم هذا علم فلان أي معلومه كما نقول في زماننا هذا علم أهل البيت والفقهاء أي المعلومات التي علموها، فإذا ثبت هذا فمعنى قوله تعالى {أنزله بعلمه} أي وهو عالم به. ومعنى قوله {فلنقصن عليهم بعلم} أي ونحن عالمون به. ومعنى قوله {ولا يحيطون بشيء من علمه} أي من معلوماته، ومع الحمل على ما ذكرناه تقع المطابقة بين الأدلة العقلية والسمعية وكذلك القدرة تستعمل بمعنى القادر مرة، يقول مالي بهذا الأمر قدرة أي ما أنا قادر عليه. وبمعنى المقدور مرة كقولهم انظر إلى قدرة الله تعالى، أي مقدوراته. فيحمل قوله تعالى{ذو القوة المتين} على القادرية وكذلك قوله تعالى{والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} أي ونحن قادرون. فثبت ما ذهبنا إليه وبطل ما قاله المخالف. وأورد المخالفون جميعا القائلون بأن الصفات ليست هي الذات كما هو مذهبنا من الأمورية والجبرية شبهة وهي أن الصفات لو (كانت ذات) الله لم يجب تكرير النظر في معرفتها إذ من عرف الذات عرفها ومن عرف صفة منها عرف سائر الصفات.
والجواب: أن ذلك غير لازم إذ معرفة الباري لا تحصل إلا بتكرير النظر فتكرير النظر لم يكن بعد معرفة ذات الله إذ النظر في الصفات معدود من النظر في معرفة الذات فقط ، فالناظر في إثبات الصانع فقط أو في صفة أو في صفتين لا معرفة له تامة بالذات أصلا.
Страница 86