والدليل على ذلك المذهب الصحيح،أن الفعل وحقيقته هو ما وجد من جهة من كان قادرا عليه قد صح منه تعالى، وليس المراد بالصحة الإمكان التي هي مقابل الاستحالة وإنما المراد الصحة والاختيار الذي هو مقابل الإيجاب، فإن الصحة الأولى لا تدل على القادرية، فإن المسبب يصح صدوره عن السبب والمعلول عن العلة، ولا يدل على أن السبب والعلة قادران. وبيان ذلك أنه قد صح منه الفعل وجوده منه فلا يخلو إما أن يكون على وجه الإيجاب أو على وجه الصحة والاختيار، والأول باطل وإلا لم يكن بأن يوجد في وقت أولى من وقت فيلزم وجوده في الأزل وهو محال لأنه قد ثبت حدوثه ولأنه كان يلزم أن يكون من جنس واحد إذ لا مخصص لوقوعه على صفة دون صفة فثبت أنه وجد على سبيل الصحة والاختيار وهذا هو معنى قولنا إن الفعل قد صح منه، هذا كلام بعض المحققين، وقد ذكر في الخلاصة أن المراد بالصحة الإمكان الذي هو مقابل الاستحالة وهو الذي اعتمده مؤلف الكتاب حيث قال والآخر يتعذر عليه وقد عرفت ما يرد على ذلك. قال الدواري: ويمكن الاعتذار بأن يقال أن الصحة التي هي مقابلة الاستحالة إذا أضيفت إلى الفعل فإنها تستدعي الصفة التي هي التخير في إيجاد المقدور وذلك يدل على كون القادر قادرا فكان ذكرها يؤذن بالصحة التي هي التخير وبها يستدل بخلاف الصفة الصادرة عن العلة والسبب فإنه لا يقال فيهما صحة الفعل من العلة والسبب فافترقت الحال، وإذا تقرر أن الفعل قد صح منه فالفعل قطعا لا يصح إلا من قادر، دليل ذلك أي كون الفعل لا يصح إلا من قادر، أنا وجدنا في الشاهد ذاتين كان الأجود أن يقول حيين أو جملتين ليسقط عنه مؤنة إبطال أن يكون المؤثر في صحة الفعل كونه حيا وكثير من الصفات الراجعة إلى الجملة أو إلى الآحاد. أحدهما إذا حاول حملا ثقيلا حمله كالصحيح السليم والآخر يتعذر عليه ذلك كالمريض المدنف، فالذي صح منه الفعل يجب أن يفارق من تعذر عليه ذلك، فالمفارقة معلومة بالضرورة، ويجب أن يختص القادر عليه بمزية، تلك المزية هي التي عبرنا عنها بكونه قادرا، فإذا كان الله سبحانه قد صح منه من الأفعال ما يتعذر على غيره ثبت أنه قادر.
فإن قيل: هذا قياس الغائب على الشاهد ومثله إنما يفيد الظن لأن علته غير قطعية.
قلنا:لا نسلم أنه قياس وإنما هو رجوع إلى كلية وهي أن من يصح منه الفعل فهو قادر، وعرفنا هذه الكلية بأن الفعل لابد له من مقتضي وذلك المقتضي هو الصفة التي عبرنا عنها بالقادرية، وإنما ذكرنا الشاهد على وجه التمثيل والتقريب.
تنبيه:
ذهب إمام زماننا أيده الله تعالى إلى أن كون الفعل لا يصح إلا من قادر لا يحتاج إلى الاستدلال بل هو أمر ضروري .
ونقول: لاشك في إثبات الصفة التي هي القادرية للقادر، ولكن اختلفوا فقيل المرجع بها إلى الجملة. قال الدواري: وهو الذي عليه الزيدية وجمهور المعتزلة وغيرهم، وقال أبو القاسم المرجع بكونه قادرا إلى الصحة واعتدال المزاج. وقال أبو الحسين وابن الملاحمي المرجع بكونه قادرا إلى النية المخصوصة في الشاهد من اللحم والدم وما يصحب ذلك من الأعصاب والرطوبة واليبوسة وفي الغائب إلى ذات الباري المخصوصة. قلت: هذا هو مذهب جمهور أئمتنا عليهم السلام بل إطباق قدمائهم على ذلك لأن الصفات عندهم هي الذات على ما يجيء بيانه إنشاء الله ، وقد غفل الدواري في إطلاقه الرواية عن الزيدية وسببه ريح الاعتزال والإعراض عن تتبع مذاهب الأئمة فالله المستعان.
Страница 49