127

والجواب:من وجوه أحدها:أن هذا الخبر لم يصح من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.والثاني:أنه من أخبار الآحاد. الثالث:أنه مخالف دلالة العقل ومحكم القرآن.الرابع:أنه لو صح ما ذكروه لوجب أن تكون الحجة لإبليس على آدم ولفرعون على موسى بأن يقول إبليس لمن ذمه وأنكر عليه مخالفته لربه كما رووا أن آدم عليه السلام احتج به، فكذلك يقول فرعون مثل ذلك، وهذا يوجب كون الحجة للعصاة على الله تعالى الله عن ذلك، وقد قال تعالى{لئلا يكون للناس على الله حجة}(البقرة:150) وإذا كان كذلك وجب رد هذا الخبر والقطع على أنه كذب على نبيئنا صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أنه يتقرر هذا لنا بأصل نرجع إليه قد قام عليه البرهان وهو أن سبق العلم بالمعاصي والطاعات ليس يدل على الجبر وعدم التمكن بل العلم سابق غير سائق،وكذلك سبق علمه بنزول المصيبة لا ينافي العوض عليها دليله أن الله تعالى عالم بسعادة المكلف بسبب عمله وهو فعله الطاعة وشقاوته بسبب عمله وهو فعله المعصية أو بنزول المصيبة بسبب عمله وهو الاستقامة فيكون امتحانا أو الانحراف عن الطاعة فيكون عقوبة وربما كان منه دعاء علمه الله تعالى فيكون سببا في عدم نزول المصيبة كما جاء في الأثر (إن الدعاء والبلاء يلتقيان في العرش فيعتلجان حتى تكون الغلبة للدعاء) وقد عرفنا أن (الله تعالى) قد علم أنه لو حصل ضد تلك الأسباب لحصل ضد المسببات،ألا ترى أن الله تعالى علم أنه صلى الله عليه وآله وسلم يولي فرارا من أهل الكهف ويملأ رعبا لو حصل منه بسبب ذلك وهو الاطلاع عليهم ،فلما لم يحصل منه السبب لم يحصل المسبب وحصل (ضد السبب) فحصل ضد المسبب،فإذا فرضنا أن المطيع يعصي وأن العاصي يطيع وأن من تنزل به المصيبة يدعو وانقلبت الحال لم يكشف عن جهل في حقه تعالى بعد علمه بالكل كما قررنا، ثم إن العلم ليس بجبر كعلمك بأن الكافر يعبد الصنم فليس علمك مجبرا له على ذلك، ويشهد بهذا ما جاء في الحديث عن عمر بن الخطاب قال : قال صلى الله عليه وآله وسلم:(مثل علم الله فيكم كمثل السماء التي أظلتكم والأرض التي تقلكم) فكما لا تستطيعون الخروج من السماء والأرض فكذا لا تستطيعون الخروج من علم الله وكما لا تحملكم السماء والأرض على الذنوب فكذلك لا يحملكم علم الله عليها. ولما أورد الشيخ الحديث الذي في الكتاب استدلالا على أنه لا يجوز إطلاق القول بأن المعاصي بقضاء الله وقدره، قال في آخر المسألة كما هي عادته فثبت بما ذكرنا من الدليل القطعي أنه لا يجوز إطلاق القول بأن المعاصي بقضاء الله وقدره وبطل ما قاله المخالف.

Страница 152