ذلك (١)، فنشطت بذلك الحياة العلمية في بغداد، وبدأت في العودة إلى الحياة بعد الممات، وجدَّ العلماء، ونشط طلاب العلم في إحياء الحركة العلمية، وإعادتها إلى سالف عهدها، وساعدهم على ذلك أيضًا إسلام السلاطين المغول، وما حصل منهم من رعاية للعلم وتشجيع عليه (٢)، يدل على ذلك أن السلطان (محمود غازان، ت ٧٠٣ هـ) لما زار بغداد سنة (٦٩٦ هـ) زار المدرسة المستنصرية، وتجول في أقسامها، واطلع على خزانتها، واحتفل به علماؤها (٣)، ثم استمرت الحركة العلمية في نشاط وازدهار، ونمو واطراد، ولم ينقض القرن السابع حتى استعادت بغداد كثيرًا من مكانتها العلمية قبل السقوط، وكثرت فيها المساجد، والمدارس، والمعاهد، ودور العلم، التي ازدانت بالعلماء البارزين، وغصت بالطلاب والدارسين، فولد المصنف ونشأ في هذا الجو العلمي الذي يفيض حيوية ونشاطًا، يبدو ذلك واضحًا جليًا في الكلام على أهم الملامح الثقافية في ذلك العصر في المطالب التالية:
المطلب الأول المراكز العلمية
المراكز العلمية كثيرة ومتنوعة، وسأكتفي بالإشارة إلى أهمها، وبيان ما لها من أثر على الحركة الثقافية في ذلك العصر، فمن أهمها ما يأتي:
أولًا: المساجد:
كانت المساجد من أهم أماكن التعليم، ونشر الثقافة الإسلامية في
_________
(١) انظر: تاريخ علماء المستنصرية، ١/ ٣٥.
(٢) انظر ذلك موضحًا في تراجم سلاطين الدولة المغولية الإيلخانية، المسلمين ابتداء من (السلطان محمود غازان ت ٧٠٣ هـ) ثم أخيه من بعده (السلطان محمد خدابنده ت ٧١٦ هـ)، ثم ابنه من بعده (السلطان بوسعيد ت ٧٣٦ هـ) في تاريخ الدولة المغولية، ص، ٢١٣، ٢٢٠، ٢٢٨، قصة الحضارة، ٢٦/ ٣١.
(٣) انظر: الحوادث الجامعة، ص، ٤٩٢، تاريخ علماء المستنصرية، ١/ ٣٤، ٢/ ٤٢١، تاريخ العراق، ١/ ٣٧٤.
1 / 52