المبحث الثالث مبنى الفرق بين المسائل المتشابهة، وطريق إدراكه
التفريق في الحكم بين مسألتين متشابهتين إما أن يكون مبنيًا على نص ظاهر في التفريق بينهما (١)، كالتفريق بين بول الغلام، وبول الجارية، حيث ورد في الحديث الاكتفاء بنضح الأول، ووجوب غسل الثاني.
وإما أن يكون التفريق بينهم - وهو الغالب - مبنيًا على معنى مستنبط (٢) يستند فيه أحيانًا إلى قاعدة أصولية (٣)، أو إلى قاعدة فقهية (٤).
وأما طريق إدراك الفرق بين المسألتين، فقد أوضح ذلك العلامة الطوفي الحنبلي، ولنفاسة كلامه رأيت نقله بحرفه، فقد قال ﵀ بعد بيانه أهمية علم الفروق: (إن الأوصاف تنقسم في ذواتها إلى مناسب للحكم، وإلى طردي وهو ما ليس بمناسب، وفي أوضاعها من صور الأحكام إلى جامع وفارق، أي: أن الصورتين مثلًا تشترك في أوصاف تجمعهما، وتتميز بأوصاف يفارق
فيها بعضها بعضًا، إذا عرف هذا، فطريق النظر في الفرق: أن ينظر في الوصف الجامع والفارق، فيعتبر المناسب منهما، ويلغي الطردي بطريق تنقيح المناط أيهما كان، وقد يكونان مناسبين فيغلب أنسبهما، وقد يتجاذبان المناسبة، فيتجه الخلاف، فيقال مثلًا: الجامع بين الأب والأجنبي أنهما قاتلان، فما الفرق بينهما حتى قتل الأجنبي دون الأب؟ فيقال: وصف الأبوة،
_________
(١) انظر: فروق الجويني، ق، ٢/ ب، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد، ص، ٤٥٨.
(٢) انظر: فروق الجويني، ق، ٢/ ب.
(٣) انظر: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد، ص، ٤٥٨، وانظر مثالًا على هذا في الفصل رقم (٧٠٤).
(٤) انظر: الفروق للقرافي، ١/ ٣. وانظر مثالًا على هذا في الفصل رقم (٣٢٨).
1 / 20