باب القول في اختلاف النحويين في تحديد الاسم والفعل والحرف
فإن قال قائل: لم اختلف النحويون في تحديد الاسم والفعل والحرف؟ وهل يجوز أن يختلف الحد إذا كان قولًا وجيزًا يدل على طبيعة الشيء الموضوع له عند الفلاسفة؟
وعندنا الحد هو الدال على حقيقة الشيء؛ فكيف يجوز اختلاف هذا وهل يجوز أن يُحد الإنسان/ لمن سأل عن حده إلا بأن يقال له: الحي الناطق المائت؛ لأن هذا هو حده على الحقيقة وينعكس عليه بمعناه؛ كقولنا: المائت الناطق الحي هو الإنسان؛ ولا يجوز أن يحد الإنسان بغير هذا الحد؛ فإن حده بغيره إنسان كان مخطئًا؛ إلا أن يعدل عن حده إلى بعض صفاته ورسومه الدالة عليه كقولنا: الإنسان حيوان ذو رجلين منتصب القامة ضحاك؛ وما أشبه ذلك.
الجواب أن يقال: إن الحد لا يجوز أن يختلف اختلاف تضاد وتنافر؛ لأن ذلك يدعو إلى فساد المحدود وخطأ من يحده؛ ولكن ربما اختلفت ألفاظه على حسب اختلاف ما يوجد منه؛ ولا يدعو ذلك إلى تضاد المحدود؛ كما يوجد الحد تارة من الأجناس والفصول؛ وتارة من المواد والصور لأن المادة تشاكل الجنس؛ والصورة تشاكل الفصل؛ ألا ترى أن الفلاسفة الذين هم معدن هذا العلم - أعني معرفة الحدود والفصول والخواص وما أشبه ذلك - قد اختلفوا في تحديد الفلسفة
1 / 46