جعلتم أول قبولكم من صباحكم ما أدعاه من غير برهان ولا بيان وما نؤمنكم من أن يعارضه معارض يقول لكم: كلام العرب: أكثر من هذه الأقسام. فبأي شيء تصلون إلى بطلان دعواه وتصحيح دعوى صاحبكم؟
الجواب أن يقال له: إن من الأشياء أشياء تعرف ببديهة العقل بغير برهان ولا دليل بها يُستدل على المشكل الملبس والغامض الخفي؟ كما أنا نعلم بديهة بغير دليل أن وجود جسمٍ في حال واحدة ساكنًا متحركًا محال ... إلا في حال خلق الله ﷿ كما علم ذلك استدلالًا؛ وكما أنا نعلم أن وجود جسم واحد في مكانين في حال واحدة ووقت واحد محال؛ كما أن وجوده لا في مكان محال؛ ومن الأشياء ما يُعرف بالدلائل الواضحة القريبة المنفق عليها التي لا تشكل على أحد حتى تقوم مقام ما يعرف بديهة بغير استدلال.
ونحن نعلم أن الله ﷿ إنما جعل الكلام ليعبر به العباد عما هجس في نفوسهم، وخاطب به بعضهم بعضًا بما في ضمائرهم مما لا يوقف عليه/ بإشارة ولا إيماء ولا رمز بحاجب ولا حيلة من الحيل، فإذا كان هذا معقولًا ظاهرًا غير مدفوع فيبين أن المخَاطب والمخاطِب والمخبَّر عنه والمخبر (به) أجسام وأعراض تنوب في العبارة عنها أسماؤها، أو ما يعتوره معنى يدخله تحت هذا القسم من أمر أو نهي أو نداء أو نعت أو ما أشبه ذلك مما تختص به الأسماء، لأن الأمر والنهى إنما يقعان على الاسم النائب عن المسمى، فالخبر إذًا هو غير المخبر والمخبر عنه وهما داخلان تحت قسم الاسم، والخبر هو الفعل وما اشتق منه أو تضمن معناه وهو الحديث للذي ذكرناه ولابد من رباط بينهما وهو الحرف، ولن يوجد إلى معنى رابع سبيل فيكون للكلام قسم رابع، وهذا معنى قول سيبويه الكلم اسم وفعل وحرف، وقد رُوي لنا أن أول من قال ذلك أمير المؤمنين علي بن
1 / 42