وارتميت على الأرض مرتعشا، فرأيتها تلقي معطفها على كتفيها بسرعة وتولي الأدبار.
وعندما أخبرت ديجنه بهذه الحادثة، قال لي: ولماذا رددتها؟ إنها لجميلة حقا. فهل بلغ كرهك لها إلى هذا الحد؟
فأجبته: أمازح أنت؟ وهل لهذه المرأة أن تكون خليلتي بعد الآن؟ وهل تعتقد أن بإمكاني أن أشترك فيها مع سواي؟ أفلا تذكر أنها أقرت بتمتع غيري بها؟ فهل بعد ذلك تريد أن أنسى، وأستبقي حبي لها، وأتمتع بها أيضا؟ إذا كان هذا هو الحب عندك، فإنني أشفق عليك.
فقال ديجنه إنه ما أحب إلا نساء المواخير، فهو لا يدقق في مثل هذه الأمور، وأضاف إلى ذلك قوله: إنك لم تزل فتيا، يا أوكتاف، وتريد الحصول على أشياء كثيرة تنطبق على ما تتوهم، ولكن هذه الأشياء لا وجود لها؛ فإنك تعتقد بالحب، بل بنوع غريب من الحب، ولعل لك ما يجعلك قادرا على الشعور به، غير أنني لا أتمناه لك. إنك ستتمتع بخليلات غير هذه الخليلة يا صديقي، فتأسف لما فعلت الليلة الماضية؛ إذ لا ريب في أن هذه المرأة كانت تحبك عندما جاءت إليك، وقد لا تحبك في هذه الساعة، ولعلها الآن بين ذراعي رجل آخر، غير أنها في تلك الليلة وفي هذه الغرفة كانت مولهة بك، فماذا كان يهمك من الدنيا ؟ لقد أفقدت نفسك ليلة من ليالي العمر، ولسوف يشجيك ذكرها؛ لأنها مضت ولن تعود.
إن المرأة تغتفر كل إساءة، ولكنها لا تنسى ذنب من تهرع إليه فيردها، ولو أن الغرام لم يذهب بها كل مذهب، لما جاءت إليك مقتحمة صدودك وهي تعلم أنها مجرمة وقد اعترفت بجرمها.
لا ريب في أنك ستأسف على هذه الليلة؛ لأنك لن تقع بعد على مثلها.
وكان ديجنه يقول هذا بكل ما فيه من قوة العقيدة وبرود الاختبار، فكنت وأنا أستمع إليه أحس بارتعاش في جميع أعضائي، وبحافز يهيب بي إلى الذهاب لمقابلة عشيقتي أو الكتابة لاستقدامها إلي، ولكنني لم أكن قادرا على النهوض من فراشي، فوفرت على نفسي التعرض لمشاهدتها تنتظر خصمي، أو لأرى بابها موصدا عليه وعليها، ولكنني كنت قادرا على توجيه رسالة إليها، فكنت أفكر بالرغم مني فيما سأخاطبها به.
وما بارحني ديجنه حتى شعرت باضطراب شديد دفعني إلى التفكير في وضع حد لهذه الحالة مهما كلفني الأمر، وبعد نزاع عنيف تغلب الاشمئزاز فيه على الحب، كتبت إلى عشيقتي بأنني لن أراها بعد، وطلبت منها ألا تحضر إلي إذا كانت تتحاشى أن أوصد بابي في وجهها.
قرعت الجرس وسلمت الكتاب إلى خادمي لإيصاله بلا إبطاء إلى البريد، ولكنه ما كاد يغلق الباب حتى ناديته فلم يسمع صوتي، وما تجاسرت أن أدعوه ثانية، فسترت وجهي بيدي واستسلمت لليأس العميق.
الفصل الرابع
Неизвестная страница