Исповедь: История души
الاعتراف: وهو قصة نفس
Жанры
غير أني أجتهد أن أخفي دموعي بالضحك أو السخر أو الهزل والفكاهة. إن بي شيئا كثيرا من الحزن الطبيعي، لحقني من طريق الوراثة، وزادته القراءة والتفكير. وإنه ليخيل لي أن كل أمة لها روح ذات إحساس مثل أرواح الأفراد، وإن روح الأمة تلج إلى أرواح الأفراد وتبث فيها أطوارها وأحوالها، فإذا صح هذا التخيل لم يكن غريبا أن في نفسي شيئا كثيرا من القلق، وغيره من الصفات التي تكتسبها أرواح الأمم في حالة التغير والانتقال من أخلاق إلى أخلاق، ومن صفات إلى صفات.
عبث الفكر
إن بعض التفكير داء عياء، ففي بعض الأحايين أفكر في كل شيء وفي غير شيء، فأفكر في الطعام الذي آكله، وفيما تقع عيني عليه من الأشياء، وفي الأرض التي أمشي عليها، وفي السماء التي تظللني، وفي الهواء الذي أنشقه، وفي الناس الذين أراهم، وفي غير ذلك من أمور الحياة.
وكلما فكرت في شيء قادني التفكير فيه إلى التفكير في شيء غيره، حتى إذا أردت بالليل عند النوم أن أوقف تيار هذا التفكير الذي ليس له جدوى ما قدرت، فيخيل لي كأن عقلي آلة فسد تركيبها، وأسمع ضجيج روافعها وعجلاتها، ثم أريد أن أضع يدي على الرافعة التي توقف حركتها فلا أجدها، فأتركها حتى تقف من نفسها بعد عذاب شديد. ومن أجل ذلك أحس أحيانا كأن عقلي طائر يهم بالطيران فأرتاع ارتياعا شديدا. وأحيانا أحس كأنه طاحون تدور، ولكن ليس بها طحين.
إن في عقلي شرها إلى التفكير، مثل شره الإنسان إلى الطعام؛ فأتمنى أن أجتني كل معنى، وأن أتخيل كل خيال، وأن أفكر كل فكر، وأن أعرف كل شيء، وأن أقرأ كل كتاب في العلوم والآداب. ولا تحسب أن هذا الشره يعين على الاطلاع، إنه يعوق؛ لأن الحيرة تتملكني، فلا أعرف بأي الكتب أبدأ. ومن أجل هذا الشره أسرع في قراءة ما أقرؤه حتى يألم ذهني. وفي بعض الأحايين أعد كل تفكير عبثا وباطلا، وأتمنى أن تكون الحياة مثل خواطر الشعراء، وما يتخيلونه من الصور البديعة.
طعم الذل
لا يعرف المرء طعم الذل، ولا يذوق مرارته حتى يهينه من هو أقوى منه، فلا يقدر أن يمحو إهانته. وفي مثل تلك الحال، يصير المرء عند نفسه في منزلة الإله المعزول الذي بال عليه الثعلب. فإن في كل نفس شيئا تجله وتعبده، وتتخذه إلها، ونفس المرء بخير ما دامت واثقة من ذلك المعبود الذي فيها. وهو شرفها وعزتها، وعندما تفقد النفس عزتها تكون مثل الفكر الحزين الذي يحزنه أنه صار لا يؤمن بمعبوده الذي كان يعبده، وأن ثقته به قد فنيت؛ فيفقد ثقته بنفسه من أجل ذلك. وكذلك النفس، إذا فقدت عزتها أحزنها أنها فقدت ثقتها وإيمانها بمعبودها.
وإني لا أزال أذكر ذلك اليوم النحس الذي لطمني فيه شقي، لم يكن يدري مبلغ إساءته إلي، فرفعت يدي لألطمه كما لطمني، ولكن الجبن وأخاه الحزم همسا في أذني قائلين: إنك إذا لطمته لطمك مرة ثانية، وهو أقوى منك فلا تصيبه إلا ببعض ما يصيبك، فخير لك إن تتحمل اللطمة الأولى أن تنجو سليما. فوقعت يدي إلى جانبي، وأحسست أن روحي قد سلبت أجل شيء فيها، فنظرت إلى ما بين قدمي لأرى ما سقط منها من العزة والأنفة والشجاعة. ثم أحسست كأن عظامي قد احترقت، ولم يبق إلا رمادها، وخارت قواي. وعرتني حيرة وشككت في الحياة، فجعلت أعدو من الغيظ وقد اسودت الدنيا في عيني، وجعلت أنظر إلى المارين وهم ينظرون إلي فأرميهم بلحاظ المقت والكره؛ لأني كنت أحسبهم يسخرون بي ويعرفون ما حدث لي، ويفهمون سر روحي التي قد أهينت، ولم تعد تصلح للحياة. ثم وقفت على غدير وهممت أن أرمي بنفسي فيه، لكني هزئت بنفسي وسخرت منها، تلك النفس التي تفر من اللطام إلى الحمام.
ثم ذهبت إلى البيت وأنا أرتعد، وقد جحظت عيناي وملأ الغل قلبي فارتميت على الفراش وجعلت أتلوى وأتقلب. وخطر لي أن أتأبط سكينا أو مسدسا، وأن أنتقم من ذلك الشقي الذي أهانني فأقتله. ولكن الحزم والجبن - وهما سميراي ونصيحاي - ألاحا لي بالقضاء والمحاكم، فجعلت أقرض أسناني من الغيظ، حتى تكسر بعضها، وكنت في حالة من حالات الجنون. وما زلت كذلك، حتى أنهكني الغيظ والغل فنمت إلى الصباح، ثم قمت متثاقلا قيام المخمور من خماره، ولم يزل بي أثر من نشوة الغيظ والحقد.
وهذا الجبن من تأثير التربية والوسط الذي نعيش فيه، فقد ثبت في نفوسنا أن الحزم والجبن خير من الإقدام والخطر! ألم يكن أصلح لنفسي أن آخذ بتلابيب ذلك الرجل وأن ألاطمه؟ وماذا علي لو أوجعني ضربه أكثر مما أوجعه ضربي؟ أكان يؤلمني أكثر من ألم الذل؟ أليست الآلام مع العزة خير من الدعة والحزم والصبر والتوقي والجبن والذل؟ إن التربية تجني على أكثرنا وتعودنا الجبن والذل والاستكانة، وكان ينبغي أن تعودنا أن لا نبالي الأخطار، وأن نهزأ بها، وأن نضع عزة النفس فوق كل ذلك.
Неизвестная страница