أَخْبَرَنِي الْمُسْنِدُ شَيْخِي الْجَلَالُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيٍّ ابْنِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، رَبُّ التَّصَانِيفِ النَّافِعَةِ الْمُفِيدَةِ أَبُو جَعْفَرٍ عُمَرُ ابْنُ النَّحْوِيِّ شُهِرَ بِابْنِ الْمُلَقِّنِ الشَّافِعِيِّ ﵀ رِوَايَةً، أَخْبَرَنِي جَدِّي الْمَذْكُورُ إِجَازَةً ﵀، أَخْبَرَنِي شَيْخِي الْحَافِظُ أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ ابْنُ سَيَّدِ النَّاسِ الْيَعْمُرِيُّ ﵀ سَمَاعًا لَهُ وَمِنْ خَطِّهِ أَنْقِلُ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ جَمَالَ الْإِسْلَامِ، شَيْخُ الْعِرَاقِ عِزُّ الدِّينِ أَبْو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ ابْنُ الْإِمَامِ الْأَوْحَدِ مُفْتِي الْفِرَقِ مُحْيِي الدِّينِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ ⦗٢٦⦘ الْفَرَجِ الْفَارُوثِيِّ الْوَاسِطِيِّ بِدِمَشْقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ كَرَمِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الدِّينَوَرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْمَعُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يُونُسَ الْعُكْبَرِيُّ الْوَاعِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْذَعِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا قَالَ:
⦗٢٧⦘
١ - حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَزْدِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الْخُشَنِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى وَادِي الْعَقِيقِ، فَقَالَ: " يَا أَنَسُ، خُذْ هَذِهِ الْمَطْهَرَةَ امْلَأْهَا مِنْ هَذَا الْوَادِي، فَإِنَّهُ وَادٍ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، فَأَخَذْتُهَا فَمَلَأْتُهَا، وَعَجِلْتُ وَلَحِقْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عَلِيٍّ، فَلَمَّا أَنْ سَمِعَ حِسِّي الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «يَا أَنَسُ، فَعَلْتَ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: «يَا عَلِيُّ، مَا مِنْ حَبْرَةٍ إِلَّا سَتَتْبَعُهَا عَبْرَةٌ، يَا عَلِيُّ، كُلُّ هَمٍّ مُنْقَطِعٌ إِلَّا هَمَّ النَّارِ، يَا عَلِيُّ كُلُّ نُعَيْمٍ يَزُولُ إِلَّا نَعِيمَ الْجَنَّةِ»
1 / 25
٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ " مَا مِنْ قَوْمٍ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ: طُوبَى، إِلَّا خَبَّأَ لَهُمُ الدَّهْرُ يَوْمًا يَسُوءُهُمْ "
1 / 28
٣ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ «لِكُلِّ فَرْحَةٍ تَرَحٌ، وَمَا مِنْ بَيْتٍ مُلِئَ فَرَحًا إِلَّا مُلِئَ تَرَحًا»
٤ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ «مَا يُنْتَظَرُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا كُلُّ مُحْزِنٍ أَوْ فِتْنَةٍ تُنْتَظَرُ»
٤ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ «مَا يُنْتَظَرُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا كُلُّ مُحْزِنٍ أَوْ فِتْنَةٍ تُنْتَظَرُ»
1 / 29
٥ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِشْكَابَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ «مَا كَانَ ضَحِكٌ قَطُّ إِلَّا كَانَ مِنْ بَعْدِهِ بُكَاءٌ»
1 / 30
٦ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ كَهْمَسٍ الْقَيْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ،: لَقِيَتِ ابْنَةُ النُّعْمَانِ مَسْقَلَةَ بْنَ هُبَيْرَةَ، وَقَدْ قَدِمَ مِنْ أَصْبَهَانَ بِمَالٍ، قَالَ: فَبَكَتْ، قَالَ: مَا يُبْكِيكِ، أَلَمْ نُحْسِنْ تَرْكَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، وَلَكِنِّي بَكَيْتُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ: ذَكَرْتِ مُلْكَ أَبِيكِ وَمَا كُنْتِ فِيهِ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَمَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ «لِمَا أَرَى بِكَ مِنَ الْحَبْرَةِ، وَلَيْسَ مِنْ حَبْرَةٍ إِلَّا سَتَتْبَعُهَا عَبْرَةٌ»
1 / 31
٧ - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرَيْبٍ الْأَصْمَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: خَرَجَ زِيَادٌ حَتَّى أَتَى حُرَقَةَ بِنْتَ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَكَانَتْ فِي حِجْرِ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ بْنِ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ، فَقَالَ: أَخْرِجُوهَا إِلَيَّ، وَقَدْ لَبِسَتِ الْمُسُوحَ، قَالَتْ: إِنِّي ضَعِيفَةٌ، قَالَ: اسْحَبُوهَا أَوْ تَجِيءُ، قَالَ: فَخَرَجَتْ، وَقَالَ: حَدِّثِينِي عَنْ أَهْلِكِ، قَالَتْ «أَصْبَحْنَا وَمَا فِي الْعَرَبِ أَحَدٌ إِلَّا يَرْجُونَا أَوْ يَخَافُنَا، وَأَمْسَيْنَا وَمَا فِي الْعَرَبِ أَحَدٌ إِلَّا يَرْحَمُنَا»
1 / 32
٨ - أَخْبَرَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ، قَالَ: أَتَى إِسْحَاقُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ هِنْدًا بِنْتَ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ فَقَالَ: أَتَيْتُكِ لِتُخْبِرِينَا عَنْ مُلْكِكِ، وَمُلْكِ أَهْلِ بَيْتِكِ، قَالَتْ " لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَنَحْنُ مِنْ أَعَزِّ النَّاسِ وَأَشَدِّهِ مُلْكًا، ثُمَّ مَا غَابَتِ الشَّمْسُ حَتَّى رَأَيْتُنَا مِنْ أَذَلِّ النَّاسِ، وَإِنِّي أُخْبِرُكَ أَنَّهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ لَا يَمْلَأُ دَارًا حَبْرَةً إِلَّا مَلَأَهَا عَبْرَةً، وَقَدْ كَانَ كِسْرَى غَضِبَ عَلَى النُّعْمَانِ غَضْبَةً نَفَرْتُ مِنْهَا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ، ثُمَّ رَضِيَ عَنْهُ فَرَدَّ إِلَيْهِ مُلْكَهُ، فَقَالَتْ أُخْتُ النُّعْمَانِ حِينَ رَجَعَ إِلَيْهِ مُلْكُهُ: يَا أَخِي، قَدْ رَدَّ اللَّهُ إِلَيْنَا مُلْكَنَا، وَرَجَعَ إِلَيْنَا حُسْنُ حَالِنَا، وَإِنِّي لَأَرْثِي لَكَ وَلِي، مِمَّا الدَّهْرُ مُطَّلِعٌ بِهِ عَلَيْنَا "
1 / 33
٩ - حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ أَبِي يَحْيَى السُّلَمِيُّ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، أَنَّ هَانِئَ بْنَ أَبِي قَبِيصَةَ، رَأَى حُرَقَةَ بِنْتَ النُّعْمَانِ تَبْكِي فَقَالَ لَهَا: " لَعَلَّ أَحَدًا آذَاكِ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنِّي رَأَيْتُ غَضَارَةً فِي أَهْلِكُمْ، وَقَلَّ مَا امْتَلَأَتْ دَارٌ سُرُورًا إِلَّا امْتَلَأَتْ حُزْنًا "
1 / 34
١٠ - أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ، أَنَّ زِيَادًا، وَقَفَ عَلَى هِنْدَ بِنْتِ النُّعْمَانِ، فَسَأَلَهَا أَنْ تُحَدِّثَهُ، فَقَالَتْ «أَصْبَحْنَا ذَا صَبَاحٍ وَمَا فِي الْعَرَبِ أَحَدٌ إِلَّا يَرْجُونَا، ثُمَّ أَمْسَيْنَا وَمَا فِي الْعَرَبِ أَحَدٌ إِلَّا يَرْحَمُنَا»
١١ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى الْعُكْلِيُّ، قَالَ: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيِّ، فَلَمَّا رَأَتْ مَا هُمْ فِيهِ بَكَتْ بُكَاءً، فَقَالَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ، أَذَكَرْتِ مُلْكَ أَهْلِ بَيْتِكِ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنَّ كُلَّ قَوْمٍ رَهْنٌ بِمَا يَسُوءُهُمْ "
١٢ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَحْبُوبٌ الْعَابِدُ، قَالَ: مَرَرْتُ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الْكُوفَةِ غَدَاةً، فَسَمِعْتُ جَارِيَةً تُنَادِي مِنْ دَاخِلِ الدَّارِ: [البحر الوافر] أَلَا يَا دَارُ لَا يَدْخُلْكِ حُزْنٌ ... وَلَا يَذْهَبْ بِسَاكِنِكِ الزَّمَانُ ثُمَّ مَرَرْتُ بِالدَّارِ فَإِذَا الْبَابُ وَقَدْ عَلَتْهُ كَآبَةٌ وَوَحْشَةٌ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالُوا: مَاتَ سَيِّدُهُمْ، مَاتَ رَبُّ الدَّارِ، فَوَقَفْتُ عَلَى بَابِ الدَّارِ فَقَرَعْتُهُ وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ مِنْ هَاهُنَا صَوْتَ جَارِيَةٍ تَقُولُ: أَلَا يَا دَارُ لَا يَدْخُلْكِ حُزْنٌ ... وَلَا يَذْهَبْ بِسَاكِنِكِ الزَّمَانُ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الدَّارِ وَبَكَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُغَيِّرُ وَلَا يُغَيَّرُ، وَالْمَوْتُ غَايَةُ كُلِّ مَخْلُوقٍ، فَرَجَعْتُ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِهِمْ بَاكِيًا "
١١ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى الْعُكْلِيُّ، قَالَ: دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيِّ، فَلَمَّا رَأَتْ مَا هُمْ فِيهِ بَكَتْ بُكَاءً، فَقَالَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ، أَذَكَرْتِ مُلْكَ أَهْلِ بَيْتِكِ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنَّ كُلَّ قَوْمٍ رَهْنٌ بِمَا يَسُوءُهُمْ "
١٢ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَحْبُوبٌ الْعَابِدُ، قَالَ: مَرَرْتُ بِدَارٍ مِنْ دُورِ الْكُوفَةِ غَدَاةً، فَسَمِعْتُ جَارِيَةً تُنَادِي مِنْ دَاخِلِ الدَّارِ: [البحر الوافر] أَلَا يَا دَارُ لَا يَدْخُلْكِ حُزْنٌ ... وَلَا يَذْهَبْ بِسَاكِنِكِ الزَّمَانُ ثُمَّ مَرَرْتُ بِالدَّارِ فَإِذَا الْبَابُ وَقَدْ عَلَتْهُ كَآبَةٌ وَوَحْشَةٌ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالُوا: مَاتَ سَيِّدُهُمْ، مَاتَ رَبُّ الدَّارِ، فَوَقَفْتُ عَلَى بَابِ الدَّارِ فَقَرَعْتُهُ وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ مِنْ هَاهُنَا صَوْتَ جَارِيَةٍ تَقُولُ: أَلَا يَا دَارُ لَا يَدْخُلْكِ حُزْنٌ ... وَلَا يَذْهَبْ بِسَاكِنِكِ الزَّمَانُ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الدَّارِ وَبَكَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُغَيِّرُ وَلَا يُغَيَّرُ، وَالْمَوْتُ غَايَةُ كُلِّ مَخْلُوقٍ، فَرَجَعْتُ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِهِمْ بَاكِيًا "
1 / 35
١٣ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ مُنْقِذٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ الْحَسَنِ إِلَى السُّوقِ، فَإِذَا جَارِيَةٌ تَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ، مِثْلُ يَوْمِكَ لَا أَرَى، قَالَ الْحَسَنُ: وَأَبُوكِ مِثْلُ يَوْمِهِ مَا رَأَى، يَا بُنَيَّةُ دُلِّينِي عَلَى مَنْزِلِكِ، فَانْطَلَقَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَانْطَلَقَ الْحَسَنُ وَنَحْنُ مَعَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الدَّارِ، فَنَادَى: يَا أَهْلَ هَذِهِ الدَّارِ، مَا لِي أَرَى هَذَا الْبَابَ مَهْجُورًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَعْمُورًا؟ قَالَ: فَنَادَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ دَاخِلِ الدَّارِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَكَذَا أَبْوَابُ الْأَرَامِلِ وَالْيَتَامَى، فَانْصَرَفَ الْحَسَنُ بَاكِيًا
1 / 36
١٤ - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ أَبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حُرَقَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَقَدْ تَرَهَّبَتْ فِي دَيْرٍ لَهَا بِالْحِيرَةِ، وَهِيَ فِي ثَلَاثِينَ جَارِيَةً لَمْ يُرَ مِثْلُ حُسْنِهِنَّ قَطُّ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا حُرَقَةُ، كَيْفَ رَأَيْتِ خَيْرَاتِ الْمُلْكِ؟ قَالَتْ: مَا نَحْنُ فِيهِ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِمَّا كُنَّا فِيهِ أَمْسِ، إِنَّا نَجِدُ فِي الْكُتُبِ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ يَعِيشُونَ فِي حَبْرَةٍ إِلَّا سَيُعْقَبُونَ بَعْدَهَا عَبْرَةً، إِنَّ الدَّهْرَ لَمْ يَظْهَرْ لِقَوْمٍ بِيَوْمٍ يُحِبُّونَهُ إِلَّا بَطَنَ لَهُمْ بِيَوْمٍ يَكْرَهُونَهُ، وَإِنِّي قَدْ قُلْتُ فِي ذَلِكَ قَوْلًا، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ:
[البحر الطويل]
بَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالْأَمْرُ أَمْرُنَا ... إِذَا نَحْنُ مِنْهُمْ سُوقَةٌ نَتَنَصَّفُ
فَأُفٍ لِدُنْيَا لَا يَدُومُ نَعِيمُهَا ... تَقَلَّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتَصَرَّفُ
1 / 37
١٥ - حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُكَّاشَةَ بِنْتِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَلَّمْتُ بِنْتَ مَلِكٍ مِنَ الْمُلُوكِ، مُلُوكِ الشَّامِ، شَبَّبَ بِهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَدْ كَانَ رَآهَا فِيمَا يُقْدِمُ الشَّامَ، فَلَمَّا فَتْحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقُتِلَ أَبُوهَا أَصَابُوهَا، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لِأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَعْطِ هَذِهِ الْجَارِيَةَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، قَدْ سَلَّمْنَاهَا لَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كُلُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَأَعْطَاهَا لَهُ، وَكَانَ لَهَا بِسَاطٌ فِي بِلَادِهَا لَا تَذْهَبُ إِلَى الْكَنِيفِ، وَلَا إِلَى حَاجَةٍ إِلَّا بُسِطَ لَهَا، وَرُمِيَ بَيْنَ يَدَيْهَا رُمَّانَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ تَتَلَهَّى بِهِمَا، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِذَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا رَأَى فِي عَيْنَيْهَا أَثَرَ الْبُكَاءِ، فَيَقُولُ: مَا يُبْكِيكِ؟ اخْتَارِي خِصَالًا أَيُّهَا شِئْتِ: إِمَّا أَنْ أُعْتِقَكِ وَأَنْكِحَكِ؟ قَالَتْ: لَا أَبْتَغِيهِ، وَإِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ أَرُدَّكِ إِلَى قَوْمِكِ؟ قَالَتْ: لَا أُرِيدُ، وَإِنْ أَحْبَبْتِ رَدَدْتُكِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَتْ: لَا أُرِيدُ، قَالَ: فَأَخْبِرِينِي مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: أَبْكِي لِلْمَلِكِ مِنْ يَوْمِ الْبُؤْسِ "
1 / 38
١٦ - حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ حَاتِمَ بْنَ عُطَارِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْأَبْطَالِ، قَالَ: بُعِثْتُ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَمَعِي سِتَّةُ أَحْمَالِ مِسْكٍ، فَمَرَرْتُ بِدَارِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ، فَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ، فَمَرَرْتُ بِدَارٍ مَا فِيهَا مِنَ الثِّيَابِ وَالنَّجْدِ بَيَاضٌ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ مِنْهَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى صَفْرَاءَ، وَمَا فِيهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ مِنْهَا إِلَى دَارٍ حَمْرَاءَ وَمَا فِيهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ إِلَى دَارٍ خَضْرَاءَ، وَمَا فِيهَا كَذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا بِأَيُّوبَ وَجَارِيَةٍ لَهُ عَلَى سَرِيرٍ مَا أَعْرِفُهُ مِنَ الْجَارِيَةِ، قَالَ: وَلَحِقَنِي مَنْ كَانَ فِي تِلْكَ الدُّورِ فَانْتَهَبُوا مَا مَعِي مِنَ الْمِسْكِ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْهَا، فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى سُلَيْمَانَ صَلَّيْتُ الْعَصْرَ فِي مَسْجِدِهِ، فَقُلْتُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي: هَلْ شَهِدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الصَّلَاةَ؟ فَأَشَارَ إِلَى سُلَيْمَانَ فَأَتَيْتُهُ فَكَلَّمْتُهُ، فَقَالَ: أَنْتَ صَاحِبُ الْمِسْكِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: اكْتُبُوا لَهُ بِالْمُوَافَاةِ، قَالَ: ثُمَّ مَرَرْتُ بِدَارِ أَيُّوبَ بَعْدَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِذَا الدَّارُ بَلَاقِعُ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: طَاعُونٌ أَصَابَهُمْ "
1 / 39
١٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ أَيُّوبُ وَلِي عَبْدِ اللَّهِ مِنْ بَعْدِهِ، قَدْ رَشَّحَهُ لِلْخِلَافَةِ، فَأَصَابَهُ الطَّاعُونُ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ دَخَلَ عَلَيْهِ سُلَيْمَانُ، فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَازِنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ أَبُو عُثْمَانَ، ثِقَةٌ مِنْ ⦗٤١⦘ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُوهُ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، وَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعْدُ بْنُ عُقْبَةَ، وَرَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ، فَخَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ، وَقَالَ: مَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ أَنْ يَسْبِقَ إِلَى قَلْبِهِ الْوَجْدُ، وَلَيْسَتْ مِنْكُمْ وَحْشَةٌ، وَإِنِّي أَجِدُ فِي قَلْبِي لَوْعَةً إِنْ لَمْ أُسَكِّنْهُ بَعَبْرَةٍ انْصَدَعَتْ كَبِدِي كَمَدًا وَأَسَفًا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الصَّبْرُ أَوْلَى بِكَ، فَنَظَرَ إِلَى سَعْدٍ وَرَجَاءٍ نَظْرَةَ مُسْتَغِيثٍ، فَقَالَ لَهُ رَجَاءٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، افْعَلْ مَا لَمْ تَأْتِ الْأَمْرَ الْمُفْرِطَ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَجَدَ عَلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ «تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ» فَبَكَى سُلَيْمَانُ بُكَاءً شَدِيدًا، ثُمَّ رَقَأَتْ عَبْرَتُهُ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ دَفْنِهِ وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
[البحر الطويل]
وُقُوفٌ عَلَى قَبْرٍ مُقِيمٍ بِقَفْرَةٍ ... مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ حَبِيبٍ مَفَارِقِ
ثُمَّ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَيُّوبُ، ثُمَّ قَالَ:
[البحر السريع]
كُنْتَ لَنَا أُنْسًا فَفَارَقْتَنَا ... فَالْعَيْشُ مِنْ بَعْدِكَ مُرُّ الْمَذَاقِ
وَقُرِّبَتْ إِلَيْهِ دَابَّتُهُ فَرَكِبَ، ثُمَّ عَطَفَ إِلَى الْقَبْرِ، فَقَالَ:
[البحر البسيط]
فَإِنْ صَبَرْتُ فَلَمْ أَلْفِظْكَ مِنْ شِبَعٍ ... وَإِنْ جَزِعْتُ فَعِلْقٌ مُنْفِسٌ ذَهَبَا
⦗٤٢⦘
١٨ - حَدَّثَنِي غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ لَهُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بَلِ الصَّبْرُ، فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ وَسِيلَةً، وَلَيْسَ الْجَزَعُ بِمُحْيٍ مَنْ مَاتَ، وَلَا بَرَادٍّ مَا فَاتَ»، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: صَدَقْتَ، وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ "
1 / 40
١٩ - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيَّ، حَدَّثَهُ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عِنْدَ مَوْتِ ابْنِهِ: أَيَصْبِرُ الْمُؤْمِنُ حَتَّى لَا يَجِدَ لِمُصِيبَتِهِ أَلَمًا؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا يَسْتَوِي عِنْدَكَ مَا تُحِبُّ وَمَا تَكْرَهُ، وَلَكِنَّ الصَّبْرَ مُعَوَّلُ الْمُؤْمِنِ "
1 / 42
٢٠ - وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ أَبِي يَحْيَى السُّلَمِيُّ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، قَالَ: اشْتَدَّ جَزَعُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى ابْنِهِ أَيُّوبَ، أَتَى إِلَيْهِ الْمُعَزُّونَ مِنَ الْآفَاقِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: «إِنَّ امْرَأً حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ ظَنَّ أَنَّ الْمَصَائِبَ لَا تُصِيبُهُ فِيهَا لَغَيْرُ جَيِّدِ الرَّأْيِ»
1 / 43
٢١ - وَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ شَيْخٍ، مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: قَامَ إِلَى سُلَيْمَانَ زِيَادُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ زِيَادٍ لَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُهُ أَيُّوبُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ كَانَ يَقُولُ «مَنْ أَحَبَّ الْبَقَاءَ فَلْيُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى الْمَصَائِبِ»
٢٢ - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ وَاقِعٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ كِنْدِيرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: عَزَّى أَيُّوبُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ كَعْبٍ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنِ ابْنِهِ، فَقَالَ «آجَرَكَ اللَّهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْبَاقِي، وَبَارَكَ لَكَ فِي الْفَانِي»
٢٣ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْبَلْخِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ حَفْصٍ الْمَرْوَزِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي كِنَانَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَرِيدٌ لِيَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ قَالَ: " حَمَلْتُ حِمْلَيْنِ مِسْكٍ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى بَابِ ابْنِهِ أَيُّوبَ - وَهُوَ وَلِيُّ الْعَهْدِ - فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا دَارٌ مُجَصَّصَةٌ حِيطَانُهَا وَسُقُوفُهَا، وَإِذَا فِيهَا وُصَفَاءُ وَوَصَائِفُ، عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ صُفْرَةٌ، وَحُلِيُّ الذَّهَبِ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ دَارًا أُخْرَى، فَإِذَا حِيطَانُهَا وَسُقُوفُهَا خَضْرٌ، وَإِذَا وُصَفَاءُ وَوَصَائِفُ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ خَضْرٌ، وَحُلِيُّ الزُّمُرُّدِ، قَالَ: فَوَضَعْتُ الْحِمْلَيْنِ بَيْنَ يَدَيْ أَيُّوبَ وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى سَرِيرٍ مَعَهُ امْرَأَتُهُ، لَمْ أَعْرِفْ أَحَدَهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَانْتُهِبَ الْمِسْكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ، اكْتُبْ لِي بَرَاءَةً، فَزَبَرَنِي، فَخَرَجْتُ فَأَتَيْتُ سُلَيْمَانَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا كَانَ، فَقَالَ: قَدْ عَرَفْنَا قِصَّتَكَ، فَكَتَبَ لِي بَرَاءَةً، ثُمَّ عُدْتُ بَعْدَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِذَا أَيُّوبُ وَجَمِيعُ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي دَارِهِ قَدْ مَاتُوا، أَصَابَهُمُ الطَّاعُونُ "
٢٢ - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ وَاقِعٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ كِنْدِيرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: عَزَّى أَيُّوبُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ كَعْبٍ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنِ ابْنِهِ، فَقَالَ «آجَرَكَ اللَّهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْبَاقِي، وَبَارَكَ لَكَ فِي الْفَانِي»
٢٣ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْبَلْخِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ حَفْصٍ الْمَرْوَزِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي كِنَانَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَرِيدٌ لِيَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ قَالَ: " حَمَلْتُ حِمْلَيْنِ مِسْكٍ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى بَابِ ابْنِهِ أَيُّوبَ - وَهُوَ وَلِيُّ الْعَهْدِ - فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا دَارٌ مُجَصَّصَةٌ حِيطَانُهَا وَسُقُوفُهَا، وَإِذَا فِيهَا وُصَفَاءُ وَوَصَائِفُ، عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ صُفْرَةٌ، وَحُلِيُّ الذَّهَبِ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ دَارًا أُخْرَى، فَإِذَا حِيطَانُهَا وَسُقُوفُهَا خَضْرٌ، وَإِذَا وُصَفَاءُ وَوَصَائِفُ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ خَضْرٌ، وَحُلِيُّ الزُّمُرُّدِ، قَالَ: فَوَضَعْتُ الْحِمْلَيْنِ بَيْنَ يَدَيْ أَيُّوبَ وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى سَرِيرٍ مَعَهُ امْرَأَتُهُ، لَمْ أَعْرِفْ أَحَدَهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَانْتُهِبَ الْمِسْكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ، اكْتُبْ لِي بَرَاءَةً، فَزَبَرَنِي، فَخَرَجْتُ فَأَتَيْتُ سُلَيْمَانَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا كَانَ، فَقَالَ: قَدْ عَرَفْنَا قِصَّتَكَ، فَكَتَبَ لِي بَرَاءَةً، ثُمَّ عُدْتُ بَعْدَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِذَا أَيُّوبُ وَجَمِيعُ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي دَارِهِ قَدْ مَاتُوا، أَصَابَهُمُ الطَّاعُونُ "
1 / 44
٢٤ - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ الْعَقَدِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ لَاحِقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: " قَدِمْتُ الْبَحْرَيْنَ فِي تِجَارَةٍ، فَنَزَلَتْ ⦗٤٦⦘ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَقُومُونَ بِأُمُورِ النَّاسِ كَالسَّمَاسِرَةِ، فَإِذَا إِخْوَةٌ وَعَبِيدٌ وَتِجَارَةٌ، وَغِنًى ظَاهِرٌ، وَحَالٌ حَسَنَةٌ، وَالنَّاسُ إِلَيْهِمْ عُنُقٌ وَاحِدٌ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ، وَلَهُمْ أُمٌّ فِي مَسْجِدٍ لَهَا مُقْبِلٌ عَلَيْهَا بَثُّهَا حَزِينَةٌ، فَلَمَّا قَضَيْتُ حَاجَتِي، وَأَرَدْتُ الِانْحِدَارَ دَنَوْتُ مِنْهَا، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهَا وَعَرَضْتُ عَلَيْهَا الْحَاجَةَ، فَقَالَتْ: حَاجَتِي إِنْ عُدْتَ إِلَى بِلَادِنَا أَنْ تَأْتِيَنَا وَتُلِمَّ بِنَا، قَالَ: فَقَدِمْتُ الْبَصْرَةَ، فَمَا لَبِثْتُ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى خَرَجْتُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، فَذَكَرْتُ قَوْلَهَا فَمَضَيْتُ نَحْوَهُمْ، حَتَّى دَنَوْتُ إِلَى بَابِهِمْ، وَمَا أُثْبِتُهُ، فَاسْتَأْذَنْتُ فَخَرَجَتْ إِلَيَّ خَادِمٌ أَوْ مُحَرَّرَةٌ، فَقُلْتُ لَهَا: هَذَا مَنْزِلُ بَنِي فُلَانٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قُلْتُ: مَا فَعَلُوا؟ قَالَتْ: مَاتُوا، وَإِذَا ضَحِكٌ فِي الدَّارِ، قُلْتُ: مَا فَعَلَتْ أُمُّهُمْ؟ قَالَتْ: هَذَا ضَحِكُهَا، مَا فِي الدَّارِ غَيْرِي وَغَيْرُهَا، قُلْتُ: اسْتَأْذِنِي لِي عَلَيْهَا، فَدَخَلْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهَا، وَجَعَلْتُ أُقَلِّبُ طَرَفِي فِي الدَّارِ فَلَا أَرَى مِمَّا كُنْتُ عَهِدْتُ شَيْئًا، قَالَتْ: كَأَنَّكَ مُنْكِرٌ؟ قُلْتُ: إِي وَاللَّهِ، وَإِنِّي لَأَعْجَبُ إِنَّمَا فَارَقْتُكُمْ حَدِيثًا، قَالَتْ: فَإِنْ لَمْ نَعْدُ إِنْ فَارَقْتَنَا فَأَقْبَلَ قِبَلَنَا، فَمَا وَجَّهْنَا شَيْئًا بَحْرًا إِلَّا ذَهَبَ، وَمَا وَجَّهْنَا شَيْئًا بَرًّا إِلَّا ذَهَبَ، وَذَهَبَ بَنِيَّ الَّذِي رَأَيْتَ وَعَبِيدِي، قُلْتُ: فَأَخْبِرِينِي عَنْ ضَحِكِكِ الْيَوْمَ، وَحُزْنِكِ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَتْ: كُنْتُ أَخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ لَنَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، فَأَنَا الْيَوْمَ أَرْجُو، قَالَ: فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ ابْنَ عُمَرَ، فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا، فَقَالَ: مَا سَبَقَهَا أَيُّوبُ ﵇ إِلَى الْجَنَّةِ إِلَّا زَحْفًا، لَكِنَّ ابْنَ عُمَرَ ذَهَبَتْ خَمِيصَتُهُ فَأَسِيَ عَلَيْهَا فَغَمَّهُ ذَلِكَ "
1 / 45
٢٥ - حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السَّدُوسِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِيِّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: " وَفَدَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي عَشَرَةٍ مِنَ الْعَرَبِ إِلَى الْيَمَنِ، فَبَيْنَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ نَسِيرُ إِذْ مَرَرْنَا إِلَى جَانِبِ قَرْيَةٍ أَعْجَبَنَا عِمَارَتُهَا، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ مِلْنَا إِلَيْهَا، فَدَخَلْنَا، فَإِذَا هِيَ قَرْيَةٌ أَحْسَنُ مَا رَأَيْتُ، كَأَنَّهَا زَخَائِفُ الرَّقْمِ، وَإِذَا قَصْرٌ أَبْيَضُ بِفِنَائِهِ شِيبٌ وَشُبَّانٌ، وَإِذَا جَوَارٍ نَوَاهِدُ أَبْكَارٌ، قَدْ أَحْجَمَ الثَّدْيُ عَلَى نُحُورِهِنَّ، قَدْ أَخَذْنَ الْمِهْزَامَ وَهُنَّ يُدِرْنَ، وَسَطَهُنَّ جَارِيَةٌ قَدْ عَلَتْهُنَّ جَمَالًا، بِيَدِهَا دُفٌّ تَضْرِبُهُ وَتَقُولُ:
[البحر الرجز]
مَعْشَرَ الْحُسَّادِ مُوتُوا كَمَدَا ... كَذَا نَكُونُ مَا بَقِينَا أَبَدَا
غَيَّبَ عَنَّا مَا نَعَانَا حَسَدَا ... وَكَانَ جَدُّهُ الشَّقِيَّ الْأَنْكَدَا
وَإِذَا غَدِيرٌ مِنْ مَاءٍ، وَإِذَا سَرْجٌ مَمْدُودٌ كَثِيرُ الْمَوَاشِي وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْخَيْلِ وَالْأَفْلَاءِ، وَإِذَا قُصُورٌ مُسْتَدِيرَةٌ، فَقُلْتُ لِأَصْحَابِنَا: لَوْ وَضَعْنَا رِحَالَنَا فَتَأْخُذُ الْعُيُونُ مِمَّا تَرَى حَظًّا، وَتَقْضِي ⦗٤٨⦘ النُّفُوسُ مِنْهُ وَطَرًا، فَبَيْنَا نَضَعُ رِحَالَنَا إِذْ أَقْبَلَ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ، عَلَى أَعْنَاقِهِمُ الْبُسُطُ، فَبَسَطُوا لَنَا ثُمَّ مَالُوا عَلَيْنَا بِأَطَايِبِ الطَّعَامِ، وَأَلْوَانِ الْأَشْرِبَةِ، فَاسْتَرَحْنَا وَأَرَحْنَا، ثُمَّ نَهَضْنَا لِلرِّحْلَةِ، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ وَقَالُوا: إِنَّ سَيِّدَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ يُقْرِئُكُمُ السَّلَامَ، وَيَقُولُ: اعْذُرُونِي عَلَى تَقْصِيرٍ إِنْ كَانَ مِنِّي، فَإِنِّي مَشْغُولٌ بِعُرْسٍ لَنَا، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ. .، فَدَعَوْنَا لَهُمْ وَبَرَّكْنَا، فَعَمَدُوا إِلَى مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَمَلَؤُوا مِنْهُ سَفَرَنَا، فَقَضَيْتُ سَفَرِي وَرَجَعْتُ مُتَنَكِّبًا لِذَلِكَ الطَّرِيقِ، فَغَبَرَتْ بُرْهَةٌ مِنَ الدَّهْرِ، ثُمَّ وَفَدَنِي مُعَاوِيَةُ فِي عَشَرَةٍ مِنَ الْعَرَبِ، لَيْسَ مَعِي أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ فِي الْوَفْدِ، فَبَيْنَا أُحَدِّثُهُمْ بِحَدِيثِ الْقَرْيَةِ وَأَهْلِهَا إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَلَيْسَ هَذَا الطَّرِيقُ الْآخِذُ إِلَيْهَا؟ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ دَكَادِكُ وَتُلُولٌ، وَأَمَّا الْقُصُورُ فَخَرَابٌ مَا يَبِينُ مِنْهَا إِلَّا الرُّسُومُ، وَأَمَّا الْغَدِيرُ فَلَيْسَ فِيهِ قَطْرَةٌ مِنَ الْمَاءِ، وَأَمَّا السَّرْجُ فَقَدْ عَفَا وَدَثَرَ أَمْرُهُ، فَبَيْنَا نَحْنُ وُقُوفٌ مُتَعَجِّبُونَ إِذْ لَاحَ لَنَا شَخَصٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ، فَقُلْتُ لِبَعْضِ الْغِلْمَانِ: انْطَلِقْ حَتَّى نَسْتَبْرِئَ ذَلِكَ الشَّخْصَ، فَقَال لَبِثَ أَنْ عَادَ مَرْعُوبًا، فَقُلْتُ لَهُ: مَا وَرَاءَكَ؟ فَقَالَ: أَتَيْتُ ذَلِكَ الشَّخْصَ فَإِذَا عَجُوزٌ عَمْيَاءُ فَرَاعَتْنِي، فَلَمَّا سَمِعَتْ حِسِّي قَالَتْ: أَسْأَلُكَ بِالَّذِي بَلَّغَكَ سَالِمًا إِلَّا أَخَذْتَ عَلَى عَيْنِكَ وَرُحْتَ حَتَّى دَخَلْتَ فِي التَّلِّ، ثُمَّ قَالَتْ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ، فَقُلْتُ: أَيَّتُهَا الْعَجُوزُ الْغَابِرَةُ، مَنْ أَنْتِ؟ وَمِمَّنْ أَنْتِ؟ ⦗٤٩⦘ فَأَجَابَتْنِي بِصَوْتٍ مَا يُبِينُ، أَنَا عَمِيرَةُ بِنْتُ دَوْبَلٍ سَيِّدِ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ:
[البحر الطويل]
أَنَا ابْنَةُ مَنْ قَدْ كَانَ يُقْرِي وَيُنْزِلُ ... وَيَحْنُو عَلَى الضِّيفَانِ وَاللَّيْلُ أَلْيَلُ
مِنْ مَعْشَرٍ صَارُوا رَمِيمًا أَبُوهُمُ ... أَبُو الْجَحَّافِ بِالْخَيْرِ دَوْبَلُ
قُلْتُ: مَا فَعَلَ أَبُوكِ وَقَوْمُكِ؟ قَالَتْ: أَفْنَاهُمُ الزَّمَانُ، وَأَبَادَتْهُمُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ، وَبَقِيتُ بَعْدَهُمْ كَالْمَزْجِ بَوَّأَهُ الْوَكْرُ، قُلْتُ: هَلْ تَذْكُرِينَ زَمَانًا كَانَ لَكُمْ فِي عُرْسٌ، وَإِذَا جِوَارٍ أَخَذْنَ الْمِهْزَامَ، وَسْطَهُنَّ جَارِيَةٌ بِيَدِهَا دُفٌّ تَضْرِبُ بِهِ، وَتَقُولُ:
أَيُّهَا الْحُسَّادُ مُوتُوا كَمَدَا؟
فَشَهِقَتْ وَاسْتَعْبَرَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَذْكُرُ ذَلِكَ الْعَامَ وَالشَّهْرَ وَالْيَوْمَ وَالْعَرُسُ، كَانَتْ أُخْتِي، وَأَنَا صَاحِبَةُ الدُّفِّ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: هَلْ لَكِ أَنْ نَحْمِلَكِ عَلَى أَوْطَاءِ دَوَابِّنَا وَنَغْذُوكِ بِغِذَاءِ أَهْلِهَا؟ قَالَتْ: كَلَّا، عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أُفَارِقَ هَذِهِ الْأَعْظُمَ حَتَّى أَؤولُ إِلَى مَا آلُوا إِلَيْهِ، قُلْتُ: مِنْ أَيْنَ طَعَامُكِ؟ قَالَتْ: يَمُرُّ بِيَ الرَّكْبُ فِي الْقِرْطِ فَيُلْقُونَ إِلَيَّ مِنَ الطَّعَامِ مَا يَكْفِينِي، وَالَّذِي أَكْتَفِي بِهِ يَسِيرٌ، وَهَذَا الْكُوزُ مَمْلُوءٌ مَاءً، مَا أَدْرِي مَا يَأْتِينِي بِهِ، وَلَكِنْ أَيُّهَا الرَّكْبُ مَعَكُمُ امْرَأَةٌ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَتُ: فمَعَكُمْ مِنَ الثِّيَابِ الْبَيَاضِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَأَلْقَيْنَا إِلَيْهَا ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ، فَتَجَلَّلَتْ بِهِمَا، وَقَالَتْ: رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ كَأَنِّي عَرُوسٌ أَتَهَادَى مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ، وَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ هَذَا يَوْمٌ أَمُوتُ فِيهِ، فَأَرَدْتُ امْرَأَةً تَلِي أَمْرِي، فَلَمْ تَزَلْ تُحَدِّثُنَا حَتَّى مَالَتْ فَنَزَعَتْ نَزْعًا يَسِيرًا وَمَاتَتْ، فَيَمَّمْنَاهَا وَصَلَّيْنَا عَلَيْهَا وَدَفَنَّاهَا، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ حَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: لَوْ كُنْتُ مَكَانَكُمْ لَحَمَلْتُهَا، ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنْ سَبَقَ الْقَدَرُ "
1 / 47
٢٦ - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: دَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ زِيدَانَ الْكَاتِبُ يَوْمًا عَلَى يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ فَرَآهُ مَهْمُومًا مُفَكِّرًا، يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، قَدْ ⦗٥١⦘ طَالَ فِكْرُكَ فَفِيمَ ذَاكَ، هَذَا ابْنُكَ الْفَضْلُ عَلَى خُرَاسَانَ، وَجَعْفَرٌ عَلَى الْعِرَاقِ، وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْيَمَنِ، وَمُوسَى عَلَى الْجِبَالِ، وَأَنْتَ فِيمَا أَنْتَ فِيهِ؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ، فَفِي هَذَا كَانَ فِكْرِي، وَلِمَا نَحْنُ فِيهِ كَثُرَ هَمِّي، أَنَا عَلِمْتُ أَنَّ جَدِّي بَرْمَكَ كَانَ يَنْزِلُ النُّوبَهَارَ، وَكَانَ يَقْدُمُ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَكَانَ يَأْلَفُ دِهْقَانًا بِالْجَبَلِ يَنْزِلُ عَلَيْهِ ذَاهِبًا، وَيُنَزِّلُ عَلَيْهِ رَاجِعًا، وَكَانَ فِي دُنْيَا عَرِيضَةٍ، وَأَمْرٍ وَاسِعٍ جِدًّا، فَقَالَ لَهُ جَدِّي مَرَّةً فِي بَعْضِ نُزُولِهِ عَلَيْهِ: إِنَّكَ مِنَ الدُّنْيَا لَفِي أَمْرٍ وَاسِعٍ، وَخَيْرٍ كَثِيرٍ، هَؤُلَاءِ وَلَدُكَ قَدْ سَاوَوْكَ، وَأَمْوَالُكَ مُنْتَشِرَةٌ، وِجَاهُكَ عَرِيضٌ، قَالَ: وَمَا يَنْفَعُنِي مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَكَدَّرَ عَلَيَّ كُلُّ مَا أَنَا فِيهِ بِصَاحِبَتِي أُمِّ أَوْلَادِي، هِيَ الدَّهْرَ بَاكِيَةٌ لَيْلَهَا وَنَهَارَهَا، فَمَا أَتَهَنَّى بِشَيْءٍ مِمَّا أَنَا فِيهِ، وَلَا أَعْلَمُ مَا سَبَبُ بُكَائِهَا، وَلَا تُخْبِرُنِي بِهِ، قُلْتُ: أَفَتَأْذَنُ لِي فِي كَلَامِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، شَأْنُكَ وَذَاكَ، فَقُلْتُ: يَا هَذِهِ، إِنَّكُمْ مِنَ الدُّنْيَا فِي سَعَةٍ، وَمِنَ الْعَيْشِ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ، وَقَدْ أَفْسَدْتِ ذَاكَ عَلَى صَاحِبِكَ بِطُولِ بُكَائِكِ، وَدَوَامِ حُزْنُكِ، فَمِمَّ ذَاكَ؟ قَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ يُسَائِلُنِي عَنْ ذَاكَ مُنْذُ مُدَّةٍ فَمَا أُخْبِرُهُ، نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ لَمْ نُصَبْ بِمُصِيبَةٍ، وَلَمْ تَنْزِلْ بِنَا جَائِحَةٌ، وَلَمْ نَثْكِلْ وَلَدًا، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ ⦗٥٢⦘ عَلَى مَا أَرَى، وَنَفْسِي مُتَوَقِّعَةٌ أَمْرًا يَنْزِلُ بِنَا، فَطُولُ بُكَائِي، وَدَوَامُ حُزْنِي لِذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهَا: فَلِمَ تُعَجِّلِينَ الْبُكَاءَ، دِعِي الْأَمْرَ حَتَّى يَقَعَ، قَالَتْ: إِنَّ نَفْسِي تَأْبَى أَنْ تَسْكُنَ مَعَ تَغَيُّرِ مَا تَعْلَمُ، قَالَ: فَارْتَحَلْتُ مِنْ عِنْدِهِمْ إِلَى هِشَامٍ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَمَرَرْتُ بِهِمْ، فَإِذَا الْأَعْرَابُ وَالْأَكْرَادُ قَدْ أَغَارُوا عَلَيْهِمْ، فَقَتَلُوا الدِّهْقَانَ وَوَلَدَهُ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، وَأَخْرَبُوا ضِيَاعَهُمْ، فَأَتَيْتُ الْمَرْأَةَ فَتَوَجَّعْتُ لَهَا مِمَّا نَزَلَ بِهِمْ، فَقَالَتْ: أَبَا فُلَانٍ، قَدْ حَلَّ بِنَا مَا كُنَّا نَتَوَقَّعُ، فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ: وَيْحَكَ، فَإِنَّمَا طَالَ فِكْرِي لِلْأَمْرِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، قَالَ: فَمَا لَبِثُوا أَنْ حَلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ "
1 / 50