وقال الزجاج: الذي أختار في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ﴾ (١) أن تكون "ما" هي التي تمنع، ويكون المعنى:
ما حرَّم عليكم إلَّا الميتة؛ لأن "إنما" تأتي إثباتًا لما يذكر بعدها ونفيًا لما سواه، وقال أبو علي: التقدير في البيت: وما يدافع عن أحسابهم إلاَّ أنا أو مثلي.
وقال ابن عطية: إنما: لفظ لا تفارقه المبالغة والتأكيد حيث وقع، ويصلح مع ذلك للحصر، فإذا دخل في قصة وساعد معناها على الانحصار صح ذلك وترتب، مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ (٢) وغير ذلك من الأمثلة وإذا كانت القصة لا يتأتي فيها الانحصار بقيت "إنما" للمبالغة والتأكيد فقط لقوله ﵇: "إنما الربا في النسيئة" (٣)، وكقولهم: إنما الشجاع [عنترة] (٤)، قال: وأما من قال: إن "إنما" لبيان الموصوف فهي عبارة [جائزة] (٥). إذ بيان الموصوف يكون في مجرد الإِخبار دون إنما.
وقال الشيخ تقي الدين: تارة تقتضي الحصر المطلق، وتارة تقتضي حصرًا مخصوصًا، ويفهم ذلك بالقرائن والسياق، أي فالأول
كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾. الحصر ها هنا على إطلاقه لشهادة العقول والنقول بوحدانيته تعالى، والثانى كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ
(١) سورة البقرة: آية ١٧٣، وفي ن ب زيادة (والدم ولحم الخنزير).
(٢) سورة النساء: آية ١٧١.
(٣) سبق تخريجه في (ص ١٦٩).
(٤) في ن ب (غيره)، وج توافق الأصل.
(٥) في الأصل (فاترة)، والتصويب من ن ب.