رسالة في أعجاز أبيات تغنى في التمثيل عن صدورها
لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد ٢١٠ - ٢٨٥
1 / 163
مقدمة
وهذا أبو العباس محمد بن يزيد المبرد الأزدي البصري النحوي الأديب الأخبارى، صاحب «الكامل» الذي يقول فيه ابن خلدون: «وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول فن الأدب وأركانه أربعة: وهي كتاب الكامل للمبرد، وأدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبى على القالى البغدادي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع منها».
وكان الناس بالبصرة يقولون: «ما رأى المبرد مثل نفسه». ولما صنف أستاذه المازني كتاب الألف واللام سأل المبرد عن دقيقه وعويصه فأجاب بأحسن جواب، فقال له: قم فأنت المبرد، بكسر الراء، أي المثبت للحق، فغيره الكوفيون وفتحوا الراء.
وقد دلني على كتابه هذا الصديق الكريم الأستاذ محمد بن تاويت الطنجي، فأسجل له هنا صادق الشكر.
وهذا الكتاب يشبه الكتاب السابق في موضوعه، إذ هو في الأمثال الشعرية، وإن اختلف الأسلوبان والمنهجان، فإن أبا العباس لم يذكر هنا مضارب الأمثال كما ذكرها ابن فارس، ولم يذكر من الأبيات إلا أعجازها المغنية عن صدورها، وليس هذا الأمر بالهين في التأليف، ومع أن أبا العباس قد ذكر نسبة معظم هذه الأعجاز فإنه اقتضانا البحث عن صدور هذه الأعجاز عند التحقيق.
وأصل هذا الكتاب مخطوطة في دار الكتب الأزهرية برقم ٧٣٢٣ أباظة.
وهو في مجموعة تشمل بعض الكتب النفيسة، منها قواعد الشعر لثعلب، وفحولة الشعراء للأصمعى، وشجر الدر في متداخل اللغة لأبى الطيب اللغوي.
1 / 164
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: هذه أعجاز بيوت تغنى فى التمثيل عن صدورها.
قال أنس بن مدركة (^١) الخثعمي، وكنيته أبو سفيان (^٢):
* لشيءٍ ما يسوَّد من يسودُ (^٣) *
امرؤ القيس: * وكل غريبٍ للغريب نسيبُ (^٤) *
وقال: * وبالأشقينَ ما كان العقابُ (^٥) *
وقال: * والبرُّ خير حقيبةِ الرّحلِ (^٦) *
النابغة: * ولا قرار على زأر من الأسد (^٧) *
وقال: * وذلك من تلقاءِ نفسك رائع (^٨) *
_________
(^١) ومثله فى الأغانى ١٦:١٦١/ ٩:٧ والعينى ٢٩٩:٤ وحماسة ابن الشجرى ٤٩. وفى الحيوان ٨١:١٨/ ٣:١ و٤٦٩ والاشتقاق ٣٠٦ وشرح الحماسة للتبريزى ١٩٣:٢ والشعر والشعراء لابن قتيبة ٣٢٨ وكتاب البسوس ٦ ومعجم البلدان (أيك، صيدة): «أنس بن مدركة».
(^٢) فى الأصل: «أبو الحسن» صوابه من كتاب كنى الشعراء لابن حبيب الملحق بكتاب أسماء المغتالين له، مصورة دار الكتب المصرية، وكذا الخزانة ٤٧٨:١.
(^٣) صدره: * عزمت على إقامة ذى صباح *
(^٤) صدره.
* أجارتنا إنا غريبان هاهنا *
انظر معجم البلدان (عسيب) والشعر والشعراء ٦٩.
(^٥) صدره: * وقاهم جدهم ببنى أبيهم *
ديوان امرئ القيس ١٦٠.
(^٦) صدره: * الله أنجح ما طلبت به *
والبيت يروى لامرئ القيس بن عابس الكندى. الأغانى ٩٤:٣.
(^٧) صدره: * بئت أن أبا قابوس أوعدنى *
(^٨) صدره: * مقالة أن قد قلت سوف أناله *
1 / 165
وقال: * إذًا فلا بسطت سوطي إليّ يدي (^١) *
وقال: * وليس وراءَ الله للمرء مذهبُ (^٢) *
وقال: * لمبلغك الواشي أغشُّ وأكذبُ (^٣) *
وقال: * ولكن ما وراءكَ يا عصامُ (^٤) *
وقال: * وهل يأثمنْ ذو إمَّة وهو طائع (^٥) *
وقال: * سبقَ الجوادِ إذا استولى على الأمدِ (^٦) *
أنس بن أبي إياس (^٧): * وشديد عادة منتزعهْ (^٨) *
زهير بن أبي سلمى: * وكانوا قديمًا من مناياهم القتلُ (^٩) *
وقال: * ولا محالة أن يشتاق من عشقا (^١٠) *
_________
(^١) صدره: * ما قلت من سيئ مما أتيت به *
(^٢) صدره: * حلفت فلم أترك لنفسك ريبة *
(^٣) صدره: * لئن كنت قد بلغت عنى خيانة *
(^٤) صدره: * فإنى لا ألام على دخول *
وكان النابغة قد وفد على النعمان ليعوده، وأراد الدخول فمنعه حاجب النعمان عصام بن شهبر. أى لا ألام على ترك الدخول إليه لأنى محجوب منه، لغضبه على وخوفى إياه على نفسى. ويروى: «فإنى لا ألومك».
(^٥) صدره: * حلفت ولم أترك لنفسك ريبة *
(^٦) صدره: * إلا لمثلك أو من أنت سابقه *
(^٧) هو أنس بن زنيم بن محمية بن عبد بن عدى الكنانى، وذكره صاحب المؤتلف ٥٥. وانظر الحيوان ٢٥٥:٥.
(^٨) صدره كما فى مجموعة المعانى ١٧٣: * لا تهنى بعد إكرامك لى *
وقبله: سل أميرى ما الذى غيره … عن وصالى اليوم حتى وزعه
ونسب البيت فى زهر الآداب ٢٥٣:١ إلى أبى الأسود الدؤلى.
(^٩) صدره
* فإن يقتلوا فيشتفى بدمائهم *
أى هم أشراف دماؤهم دواء من داء الكلب، أو هم أشراف إذا قتلوا رضى بهم من قتلهم بهم يدرك ثأرة ويشتفى. من مناياهم القتل، أى لا يموتون على فرشهم.
(^١٠) صدره: * قامت تبدى بذى ضال لتحزننى *
1 / 166
وقال: * على آثار من ذهبَ العفاءُ (^١) *
عنترة: * والكفر مخبثةٌ لنفس المنعمِ (^٢) *
لبيد: * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذرْ (^٣) *
وقال: * ومن الأرزاء رزءٌ ذو جللْ (^٤) *
طرفة: * ويأتيك بالأخبار من لم تزوِّدِ (^٥) *
أبو خراش: * وإنما نوكَّل بالأدنى وإنْ جلَّ ما يمضي (^٦) *
أبو ذؤيب: * والدهرُ ليس بمعتبٍ من يجزعُ (^٧) *
وقال: * وإذا تردُّ إلى قليل تقنعُ (^٨) *
حميد بن ثور: * وحسبك داءً أن تصحَّ وتسلما (^٩) *
أبو الأسود: * وما كل مؤتٍ نصحه بلبيب (^١٠) *
القطامي: * وقد يكون مع المستعجل الزللُ (^١١) *
عروة بن الورد: * ومبلغ نفسٍ عذرها مثلُ منجحِ (^١٢) *
جرير: * ليت التشكِّيَ كان بالعوّاد (^١٣) *
_________
(^١) صدره: * تحمل أهلها عنها فبانوا *
(^٢) صدره: * نبئت عمرا غير شاكر نعمتي *
(^٣) صدره: * إلى الحول ثم اسم السلام عليكما *
(^٤) صدره: * وأرى أربد قد فارقنى *
(^٥) صدره: * ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا *
(^٦) صدره: * على أنها تعفو الكلوم وإنما *
(^٧) صدره: * أمن المنون وريبها تتوجع *
(^٨) صدره: * والنفس راغبة إذا رغبتها *
(^٩) صدره: * أرى بصرى قد رابنى بعد صحة *
(^١٠) صدره: * وما كل ذى نصح بمؤتيك نصحه *
(^١١) صدره: * قد يدرك المتأنى بعض حاجته *
(^١٢) صدره: * ليبلغ عذرا أو يصيب رغيبة *
(^١٣) صدره: * ونزور سيدنا وسيد غيرنا *
وانظر ما سبق من تحقيق هذا البيت فى كتاب ابن فارس ص ١٥١.
1 / 167
وقال: * رأيت المرءَ يلزم ما استعادا (^١) *
ومثله: * وكل امرئٍ جارِ على ما تعوَّدا (^٢) * [¬*]
الحطيئة: * ولا ترى طاردًا للحرّ كالياسِ (^٣) *
وقال: * لا يذهبُ العرف بين الله والناسِ (^٤) *
وقال: * ومن يسوِّ بأنف الناقة الذّنبا (^٥) *
دريد بن الصمة: * يضع الهناء مواضعّ النُّقبِ (^٦) *
مالك بن الريب: * وكل بلادٍ أوطنت كبلادِ (^٧) *
سالم بن وابصة: * إن التخلق يأتي دونه الخلق (^٨) *
ابن الزبعري: * وعدلناه ببدر فاعتدل (^٩) *
_________
(^١) صدره: * تعود صالح الأعمال إنى *
والاستعادة هنا بمعنى التعود، كما فى اللسان (عود).
(^٢) هذا تنظير فى الاستشهاد، والبيت لم يرد فى ديوان جرير، فلعله استشهاد بشعر غيره.
(^٣) صدره: * أزمعت ياسا مريحا من نوالكم *
(^٤) صدره: * من يفعل الخير لا يعدم جوازيه *
(^٥) صدره: * قوم هم الأنف والأذناب غيرهم *
(^٦) صدره: * متبذلا تبدو محاسنه *
الهناء: القطران تهنأ به الإبل، أى تطلى. والنقب: جمع نقبة، وهى القطع المتفرقة من الجرب فى جلد البعير. وكانت الخنساء قد خرجت فهنأت ذودا لها جربى، ثم نضت عنها ثيابها واغتسلت، ودريد يراها ولا تراه، فقال فيها هذا الشعر، وأوله كما فى الأمالى ١٦١:٢: حيوا تماضر واربعوا صحبى … وقفوا فإن وقوفكم حسبى
(^٧) صدره: * وفى الأرض عن ذى الجور منأى ومذهب *
ونسبة البيت إلى مالك بن الريب غريبة، فإن أبا تمام رواه فى الحماسة ٢٧٨:١ للفرزدق من أبيات، وهى فى ديوان الفرزدق ١٩٠. ونسب فى حماسة البحترى ١٨٠ إلى رجل من تميم. والفرزدق تميمى.
(^٨) صدره: * عليك بالقصد فيما أنت فاعله *
ونسبته إلى سالم بن وابصة تطابق ما فى الحماسة ٢٩٥:١. ونسب فى حماسة البحترى ٣٥٨ إلى ذى الإصبع العدوانى. وصدره فى الأخيرة: * اعمد إلى الحق فيما كنت فاعله *
(^٩) كذا فى الأصل. ورواية السيرة ٦١٦ جوتنجن والحيوان ٥٦٥:٥: «وعد لنا ميل بدر»، وصدره فى السيرة: * فقتلنا الضعف من أشرافهم *
[¬*] (تعليق الشاملة): البيت ليزيد بن الجهم الهلالى، كما فى الحماسة ١٧٣٠ س ١ بشرح المرزوقى. [أفاده في المستدرك]
1 / 168
الأخطل: * والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبرُ (^١) *
يزيد بن مفرغ: * والحر تكفيه الملامه (^٢) *
عبدة بن الطبيب: * وفيّ لمصلح مستمتعُ (^٣) *
وقال: * والعيش شحٌّ وإشفاق وتأميلُ (^٤) *
وقال: * أعرافهنَّ لأيدينا مناديلُ (^٥) *
عمر بن أبي ربيعة: * إنما العاجز من لا يستبدّ (^٦) *
وقال: * حسنٌ في كلِّ عينٍ من يودّ (^٧) *
وقال: * وجوهٌ زهاها الحسنُ أن تتقنعا (^٨) *
وقال: * وحديث النفس قدما ولوعُ (^٩) *
العديل بن الفرخ: * وما على الحرِّ إلا الحلفُ مجتهدا *
الحارث بن وعلة: * والقول تحقره وقد ينمى (^١٠) *
_________
= وفى الحيوان: * وقتلنا الضعف من ساداتهم *
(^١) صدره: * حتى استكانوا وهم منى على مضض *
(^٢) صدره: * العبد يقرع بالعصا *
(^٣) هو بتمامه كما فى المفضليات ١٣٤:١: أبني إنى قد كبرت ورابنى … بصرى وفى لمصلح مستمع
(^٤) صدره: * والمرء ساع لأمر ليس يدركه *
(^٥) صدره: * ثمت قمنا إلى جرد مسومة *
(^٦) صدره: * واستبدت مرة واحده *
وقبله: ليت هند أنجزتنا ما تعد … وشفت أنفسنا مما نجد
(^٧) كذا بالباء، وتقرأ بالبناء للمفعول. ويروى بالتاء. وصدره: * فتضاحكن وقد قلن لها *
(^٨) صدره: * فلما تواقفنا وسلمت أشرقت *
(^٩) صدره: * إن همى قد نفى النوم عنى *
(^١٠) صدره: * أن يأبروا تخلا لغيرهم *
وقبله فى الحماسة ٦٥:١: لا تأمنن قوما ظلمتهم … وبدأتهم بالشتم والرغم
1 / 169
الخنساء: * كأنه علم في رأسه نارُ (^١) *
الأسود بن يعفر: * والدهر يعقب صالحًا بفسادِ (^٢) *
عبد الله بن معاوية: * ولكن عين السخط تبدي المساويا (^٣) *
نصيب: * ولو سكتوا أثنت عليك الحقائبُ (^٤) *
قعنب بن أم صاحب: * زكنت منهم على مثل الذي زكنوا (^٥) *
ابن الدمينة: * على ذاك قرب الدار خير من البعدِ (^٦) *
الطائية (^٧): * وكيف بتركي يا ابن أمِّ الطبائعا *
أشجع بن عمرو: * ما أخّر الحزم رأى قدم الحذرا (^٨) *
_________
(^١) صدره: * وإن صخرا لتأتم الهداة به *
(^٢) صدره: * فإذا وذلك لا مهاه لذكره *
وهو آخر قصيدة له فى المفضليات ١٥:٢ - ٢٠.
(^٣) صدره: * وعين الرضا عن كل عيب كليلة *
(^٤) صدره: * فعاجوا فأثنوا بالذى أنت أهله *
انظر ما سبق من التحقيق فى كتاب ابن فارس ص ١٤٢.
(^٥) صدره: * ولن يراجع قلبى حبهم أبدا *
(^٦) صدره: * وقد زعموا أن المحب إذا دنا *
(^٧) هى غنية بنت عفيف بن عمرو بن عبد القيس، وهى أم حاتم، كانت من أسخى النساء وأقراهن للضيف، وكانت لا تليق شيئا تملكه، فلما رأى إخوتها إتلافها حجروا عليها ومنعوها مالها، فمكثت دهرا لا تصل إلى شيء ولا يدفع إليها شيء من مالها، حتى إذا ظنوا أنها قد وجدت ألم ذلك أعطوها صرمة من إبلها، فجاءتها امرأة من هوازن كانت تأتيها كل سنة تسألها، فقالت لها: دونك هذه الصرمة فخذيها، فقد والله مسنى من ألم الجوع ما آليت معه ألا أمنع الدهر سائلا شيئا. ثم أنشأت تقول: لعمرى لقدما عضنى الجوع عضة … فآليت ألا أمنع الدهر جائعا
فقولا لهذا اللائمى اليوم اعفني … فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا
فماذا عسيتم أن تقولوا لأختكم … سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا
ولا ما ترون الخلق إلا طبيعة … فكيف بتركى يا ابن أم الطبائعا
انظر الأمالى ٢٣:٣.
(^٨) صدره كما فى عيون الأخبار ٣١:١: * رأى سرى وعيون الناس هاجعة *
1 / 170
ابن أبي عيينة: * فالصبر من كلِّ أمرٍ فائتٍ خلفُ *
البكري (^١): * إن بني عمِّكَ فيهم رماحْ (^٢) *
أبو حفصٍ الشطرنجي: * لو صح منك الهوى أرشدتَ للحيلِ *
دعبل: * ضحك المشيبُ برأسه فبكى (^٣) *
دعبل: * كان ينهى فنهى حيث انتهى *
العتكي: * حلّمني قلة أكفائي *
محمود: * فاصبر فإن الدهر لا يصبر *
عباس بن الأحنف: * من عالج الشوق لم يستبعد الدارا (^٤) *
آخر: * والمشربُ العذبُ كثير الزحامْ (^٥) *
آخر: * إن النَّدى حيث ترى الضِّغاط (^٦) *
آخر: * من فاته العين لم يستبعد الأثرا (^٧) *
_________
(^١) فى البيان والتبيين ٢٣٤:٣ ومعاهد التنصيص ٢٧:١ أنه حجل بن نضلة.
(^٢) صدره: * جاء شقيق عارضا رمحه *
(^٣) صدره: * لا تعجبى يا سلم من رجل *
(^٤) سبق فى حواشى كتاب ابن فارس ص ١٥٦. وصدره كما فى ديوان العباس ٧٣: * ستقرب الدار شوقا وهى نازحة *
وفى محاضرات الراغب: * يقرب الشوق دارا وهى نازحة *
(^٥) صدره: * يزدحم الناس على بابه *
وهو بدون نسبة فى عيون الأخبار ٩٠:١.
(^٦) هذا ليس عجزا من أعجاز الشعر، بل هو شطر من أشطار الرجز. والرجز فى البيان ١٧٧:١ والحيوان ٤٥٤:٥. وأنشد الجاحظ الشطر فى البخلاء ٢٠٣ وابن قتيبة فى عيون الأخبار ٩١:١. والضغاط بالكسر: الزحام.
(^٧) أى من فاته عين شيء فإنه يقنع بتتبع أثره. وأما من فاز بعين الشئ فإنه لا يهتم يتتبع أثره، كما جاء فى أمثالهم للرجل يترك شيئا يراه ثم يتبع أثره بعد فوت عينه: «تطلب أثرا بعد عين». وصدره كما فى مجالس الزجاجى ١٢٣: * أظل من حبها فى بيت جارتها *
1 / 171
آخر: * أنّ السلامة منها تركُ ما فيها (^١) *
آخر: * وما لا ترى مما بقى اللهُ أكثرُ *
آخر: * وإن الصَّبا للعيشُ لولا العواقبُ *
آخر: * سقطَ العشاءُ بهِ على سرحان (^٢) *
آخر: * إن كنت ريحًا فقد لاقيت إعصارا (^٣) *
آخر: * ناب وقد تقطعُ الداويَّة النابُ *
آخر: * أذن الخوانُ برغم أنف الحاجبِ (^٤) *
آخر: * لا يحسنُ البرُّ إلا بعد إنصافِ *
آخر: * لا خير في لذة من بعدها النار *
آخر: * والهجر خير من الفراق *
_________
(^١) لسابق البربرى، كما فى محاضرات الراغب ٢٥١:١. وسابق البربرى هذا شاعر أموى. ترجم له فى الخزانة ١٦٤:٤. وصدر البيت: * النفس تكلف بالدنيا وقد علمت *
(^٢) قيل إن السرحان هنا الذئب، وأن رجلا خرج يلتمس العشاء فوقع على ذئب فأكله الذئب. وقيل سرحان رجل من غنى كان يقال سرحان بن هزلة، وكان بطلا فاتكا يتقيه الناس، فقال رجل يوما: والله لأرعين إبلى هذا الوادى ولا أخاف سرحان بن هزلة. فورد بإبله ذلك الوادى فوجد به سرحان وهجم عليه فقتله وأخذ إبله، وقال: أبلغ نصيحة أن راعى أهلها … سقط العشاء به على سرحان
سقط العشاء به على متقمر … طلق اليدين معاود لطعان
وفى اللسان (قمر) أن هذا الشعر لعبد الله بن عنمة الضبى.
(^٣) أنشد هذا العجز فى أمثال الميدانى ٢٧:١ وقال: «يضرب مثلا للمدل بنفسه إذا بلى بمن هو أدهى منه وأشد».
(^٤) قيل إن البيت لبشار، وقيل هو لغيره. عيون الأخبار ٨٦:١. وفيه: تأبى خلائق خالد وفعاله … إلا تجنب كل أمر عائب
فإذا أتيت الباب وقت غدائه … أذن الغداء برغم أنف الحاجب
وفى محاضرات الراغب ٣١٠:١: «وإذا حضرنا الباب عند غدائه».
1 / 172
آخر: * فبينما العسر إذْ دارت مياسيرُ (^١) *
آخر: * وتعلمُ قوسي حين أنزعُ من يرمي *
آخر: * لكلِّ أناسٍ من بعيرهم خبرُ (^٢) *
آخر: * كفَّا مطلَّقةٍ تفتُّ اليرمعا (^٣) *
آخر: * إنَّما الجودُ للمقلِّ المواسي *
آخر: * قد ذلَّ من ليس له ناصرُ (^٤) *
آخر: * ذهب القضاءُ بحيلة الأقوامِ *
(تمت والحمد لله وحده)
_________
(^١) صدره: * فاستقدر الله خيرا وارضين به *
وللشعر قصة فى عيون الأخبار ٣٠٥:٢:١. وانظر مجالس ثعلب ٢٦٥ ومحاضرات الراغب ٢٣٩:٢ ونزهة الألبا ٣٤ والمعمرين ٤٠ والعقد ٣٨١:١ بولاق ودرة الغواص ٣١ وأسد الغابة ٣٥١:٣. ونسب الشعر فى المختار من شعر بشار ٢١٣ إلى نويفع بن لقيط الفقعسى، وفى شرح شواهد المغنى ٨٦ لعتير بن لبيد العذرى، أو حريث بن جبلة، وفى تاج العروس (دهر) لأبى عيينة المهلبى.
(^٢) يضرب فى معرفة كل قوم بصاحبهم. ويروى: «فى جميلهم»: مصغر جمل. البيان ١: ٣٠٠:٢٣٨/ ٣ والميدانى ١١٤:٢ - ١١٥ واللسان (جمل).
(^٣) اليرمع: حجارة لينة رقاق بيض تلمع. وأنشد هذا العجز فى اللسان (رمع). وقال الميدانى فى أمثاله فى باب الكاف: «يضرب للرجل ينزل به الأمر يبهظه فيضج ويجلب فلا ينفعه ذلك».
(^٤) من بيتين فى اللسان (عمر) وسمط اللآلى ١٧٤ والتنبيه على أمالى القالى ٣٠. وهما: قامت تبكيه على قبره … من لى من بعدك يا عامر
تركتنى فى الدار ذا غربة … قد ذل من ليس له ناصر
1 / 173