أقمت في بيتي العتيق أياما فجاءني في ذات صباح رسالة مكتوبة بالإنجليزية من الكونتس ماري، وهذا نصها:
صديقي العزيز
بلغني أنك ستقيم هنا زمنا. نحن لم نلتق منذ أعوام طويلة. فإن أرضاك أن نلتقي مرة أخرى فإني أسر كل السرور بمشاهدة صديق قديم تجدني وحدي بعد ظهر اليوم في الكوخ السويسري.
لك بإخلاص
ماري
فجاوبت فورا بالإنجليزية أني سأزورها في الموعد المضروب. ولم يكن الكوخ السويسري سوى جناح من القصر ينفتح على الحديقة ويتيسر الوصول إليه دون المرور في ساحة القصر الكبرى. ولما أزفت الساعة الخامسة اجتزت الحديقة متغلبا على انفعالي، متهيئا لمقابلة رسمية، مؤكدا «لملكي الحارس» في داخلي أن لا شأن لي مع هذه السيدة. ولكن ما معنى قلقي واضطرابي، ولماذا لا يوحي إلي «ملكي الحارس» ما أتطمن به وأرتاح إليه؟ أخيرا تشجعت هامسا لنفسي بكلمات سخرية بالحياة، وطرقت بابا كان نصف مفتوح.
وجدت في الغرفة سيدة لا أعرفها خاطبتني بالإنجليزية وقالت إن الكونتس آتية في الحال. ثم خرجت وتركتني وحيدا ولدي الوقت الكافي لألقي نظرة على ما يحيط بي.
كانت جدران الغرفة من خشب السنديان يدور حولها نقش برزت فيه وريقات اللبلاب وتصاعدت معرشة في السقف. كذلك كانت الطاولات والكراسي وأرض الغرفة من خشب السنديان وقد تحاذى فيها الحفر والنقش. وتوزع هنا وهناك كثير من أمتعة ألفتها في غرفة ألعابنا القديمة وقد أضيف إليها أمتعة جديدة، لا سيما الصور والرسوم. وكانت هي الصور بعينها التي اخترتها لتزيين غرفتي في الجامعة: ففوق البيانو صور بتهوفن وهيندل ومندلسهن، وفي إحدى الزوايا زهرة ميلو وهو في تقديري أتم وأبدع تمثال أبقته لنا المدنية القديمة. وعلى الطاولات كتب دانتي وشكسبير، ومجموعة مواعظ تولر، وكتاب «اللاهوت الألماني» وأشعار روكرت وتنسن وبورنز، وكتاب كارلايل «الماضي والحاضر»، وهي الكتب نفسها التي كنت أقلبها قبل أن أجيء إلى هذا المكان. فاجتذبت إلى دائرة التأمل، بيد أني حاولت التملص منها ووقفت أمام صورة الأميرة المتوفاة. عندئذ فتح الباب ودخل الرجلان اللذان عهدتهما في حداثتي يحملان الكونتس على سريرها.
يا لعذوبة تلك الرؤيا! كانت صامتة لا تتحرك وبقي وجهها هادئا كصفحة البحيرة حتى غادر الرجلان الغرفة. إذ ذاك حولت نحوي عينيها، تينك العينين القديمتين اللتين لا يدرك غورهما، وتألق وجهها فانقلبت كل هيئتها ابتساما. ثم قالت: «كنا صديقين ولا أظننا تغيرنا في صداقتنا. لذلك لا يمكنني أن أقول «أنتم». وحيث إن العادة لا تسمح بأن أقول «أنت» بالألمانية فلنتخاطب بالإنجليزية.
1
Неизвестная страница