Ибрагим Катиб
إبراهيم الكاتب
Жанры
وركلها برجله.
فلم تقدر المسكينة على القيام وجعلت تكرر وهي تنتحت: «في عرضك» وغاظ إبراهيم أنها تبكي وأنها لا تزيد على التوسل، وأنه لن يقف على سر هذه الزيارة ، فكاد يجن وقبض على عنقها وهو يصيح: سأقتلك إن لم تنطقي. قولي ماذا جاء بك؟ - أنا!
فخلى عنها وانتفض قائما إلى مصدر الصوت في مدخل الباب. ثم دفع فاطمة برجله وقال: «قومي هاتي المصباح». ومضى إلى الكنبة في سكون.
وقالت شوشو وتقدمت إليه: «معذرة يا بن خالتي. لا داعى للمصباح. أنا أرسلتها إليها ورافقتها حتى لا تخاف».
فلم يدعها إلى الجلوس، وقال فى جفوة متكلفة: أريد أن أفهم معنى هذا.
فارتبكت شوشو؛ ولم يكن شيء من هذا كله مما تتوقع، ولم يخف عليها أنها كانت طائشة فيما فعلت، وأنه مصيب في سؤاله محق في غضبه؛ ولكنها على عادة جنسها نسيت ذلك وتعلقت بلهجته الجافية فحزت في نفسها وسالت الدموع على وجنتيها، ووقفت ترد النشيج بجهد، ولم يكن إبراهيم ملتفتا إليها لأنه آلى أن يتكلف الجفوة، وأتيحت له الفرصة فاغتنمها ولم يكن هذا بالهين ولكنه كان الواجب في اعتقاده فلم يتردد، ومضى يقول لنفسه وهو جالس لا ينظر إلى شوشو: «إن الحياة كالنظر إلى الظلام. والمرء لا يعرف أي شيء هذا المقبل عليه وإنما يخمن ويقدر، كما يقدر في الظلام ويخمن أي شجرة هذه التي تصادفه في طريقه، وكما يحاول أن يتبين وهو سائر هل بلغ شفا شيء؟ والإنسان وحده هو الذي يفكر ويتبرم ويعني نفسه بهذا وذاك - بالحياة والموت، وبالمستقبل، وبالنور والظلام، وبالحب والبغض، لقد كنت في الصباح مع شوشو هذه في الحديقة، ومازلت أذكر وهي على صدري تلك النحلة الصغيرة التي طارت فوق رأسينا ومضت إلى الحشائش وغرزت رأسها فنامت. فيا ليت أنا كهذه النحلة نحيا في كل لحظة أتم حياة، فإذا تعبنا ألقينا رؤوسنا ونمنا، أما لو أن شوشو ليست هنا الآن! مسكينة شوشو واقفة وحدها في الظلام تحدق في سواد اليأس الذي لا يتخلله عرق واحد من النور.. مسكينة مسكينة».
ونهض ومضى إلى النافذة ففتحها وأطل منها. فتضوع إلى أنفه نسيم الروض العطر. ولم يكن يرى شيئا ولكنه لم يشك في أن كل ورقة على غصنها، وكل زهرة وكل عود نابت - كل أولئك متآمر أن يذيع كل ما فيه من عبير وعطر، وتنهد وهو يحدث نفسه أن كل هذه الحيوات الصغيرة متحابة متعاشقة. وإلا لما اتسق جمالها كل هذا الاتساق.
وأغلق النافذة وعاد فلم يجد أحدا في الغرفة.
الفصل الرابع عشر
«حبيبي نزل إلى جنته، إلى خمائل الطيب ليرعى بين الجنات ويجمع السوسن»
Неизвестная страница