69

Ибн Таймия: его жизнь и времена, мнения и юриспруденция

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Издатель

دار الفكر العربي

مرطبة بالتقدير والاعتراف بالفضل، ولم كان ذلك التغيير الغريب، فمنذ ستة أشهر يخرج من جب القلعة بغير رضاهم، وفي هذه المرة يدخل الحبس بغير رضاهم ويطلبون الرفق به. ! !

لا شك أن تغير الرجال في المجلسين قد يكون له دخل؛ ولكن يجب أن تتبين أنه قد وجد عاملان آخران غيرا الرأي فيه، أو على الأقل جعلا المخالفة في الرأي لا تنتقل إلى خصومة بل عداوة.

(أول هذين العاملين) أن ابن تيمية أدلى بحجته أمامهم وأمام الناس؛ وهو الفصيح البليغ المبين عن فكره، وما حجته إلا آيات قرآنية وأحاديث نبوية لا يعتسف في تأويلها، ولا يشتط في تخريجها، بل يفسرها بالمأثور فيها، ويوجهها بعقل قوي مستقيم، وإدراك نافذ، ولا ريب أن ذلك يكون له أثره في قلوبهم فإن لم يقبلوه لا يعادوه.

(العامل الثانى) أن المعركة في هذه المرة كانت بينه وبين الصوفية، والصوفية على خلاف في كثير من أقدم العصور مع الفقهاء، فإن الصوفية لهم طريق في التهذيب والتربية غير ما يقوله الفقهاء الذين يقررون فقه الكتاب والسنة وما استنبطه العلماء قديماً؛ وما خرجوا عليه من أحكام الحوادث والعصور، ثم إن الفريقين يتنازعون السلطان على العامة، وكل يريد أن تكون العامة تحت سيطرته الفكرية وحده.

فلما اصطدم ابن تيمية بالصوفية ما كان من المعقول أن ينصروهم عليه، فكان ذلك الحكم الرفيق، بل كان ذلك التوقف عن الحكم، حتى إذا حكم الفقيه العظيم على نفسه، لكيلا يحرجهم أمام رجال الدولة طلبوا الرفق في المحبس.

٧٣- لم يكن ذلك المحبس حبساً بمعناه الحقيقي، بل كان إقامة مقيدة، فقد كان طلاب العلم منه يغدون ويروحون ويستفتى من الأمراء والأعيان، ولم يلبث إلا قليلا، حتى خرج من محبسه بقرار من مجلس للفقهاء والقضاة عقد بالمدرسة الصالحية، وأكب الناس على الاجتماع به ليلا ونهاراً؛ يبث فيهم تفكيره وآراءه

68