Ибн Таймия: его жизнь и времена, мнения и юриспруденция
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Издатель
دار الفكر العربي
في الدنيا لوجدناها قد انقسمت إلى دول صغيرة، حتى صارت كل مدينة دولة قائمة بذاتها، والعدو يقتنصها واحدة بعد الأخرى، حتى انقض في آخر الأمر من بعد ذلك العصر على البقية الباقية، فألقاها في اليم من غير رحمة ولا شفقة، وهل ينتظر الرحمة من الأعداء، إلا من ينتظر من النيران الماء.
هذا إجمال للعصر الذي عاش فيه ذو القلب المؤمن المتوثب ابن تيمية، وإذا كان الإنسان ابن بيئته ونتاج عصره، وهو في ذلك كالبذرة الصالحة لا تنبت نباتاً طيباً إلا في جو يلائمها، وأرض تغذيها، فكذلك الرجل العبقري يبادل عصره، ويتغذى من حلوه ومره، ويتجه إلى إصلاحه من بعد، ولذلك كان لا بد من نظرة إلى ذلك العصر الذي عنى ذلك الفقيه العظيم بآلامه وأوصى به، ودراسته ليست سهلة لتشعب نواحيه، وتعدد مناحيه.
١٢- وإننا بعد دراسة حياته وعصره، لا نجد من السهل دراسة علمه، لأنه لم يكن متخصصاً كالأئمة السابقين، فأبو حنيفة كان فقيهاً، ولم يعرف إلا بأنه فقيه، وإن كانت له في صدر حياته جولة في علم الكلام، فقد أطرح الخلاف في علم الكلام إلى التخصص في الفقه واستنباط الأحكام، ومالك كان فقيهاً ومحدثاً ولم تكن قد تميزت التفرقة بين الفقه والحديث تميزاً كاملاً، والشافعي وإن كان الفصيح الأديب قد تخصص في الفقه وأصوله وهكذا... ولذلك كانت دراسة علومهم سهلة، لأنها ناحية واحدة، والنواحي الأخرى كانت آراء اعتنقوها بوصف كونهم علماء مسلمين، لا بوصف كونهم متخصصين، أما ابن تيمية فجولاته في الفقه جعلته فقيه عصره، وجولاته في علم الكلام جعلته أبرز شخصية فيه، وتفسيراته للقرآن الكريم، ودراسته أصول التفسير ووضعه المناهج لها، جعلته في صفوف المفسرين، وله في كل هذه العلوم آراء مبنية على خص ودراسة، ويعد أول من جهر بها، وإن كان يقول إنها مذهب السلف وليست بدعاً ابتدعه، ولا بديناً ابتكره، وإنما هي رجعة إلى حيث كان الإسلام في إبان مجده أيام كان غضاً لم تلق عليه السنون غبار التقاليد والنسيان.
13