104

Ибн Таймия: его жизнь и времена, мнения и юриспруденция

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Издатель

دار الفكر العربي

الظاهر(١) فإن الناس تكلموا في إخلاصه في طلب الحق والعلم، ورموه بالعجب ومحبة الرياسة على كبار المشايخ بالغلب عليهم في ميدان الجدل والمناظرة، وهي رياسة أدبية يبغيها من يريدون علواً في الأرض، ولا يبغون منصباً يتصل بالحكام.

وإن هذا اتهام ليس له أساس من وقائع التاريخ، ولا من حياة ذلك الرجل العالم، فما ظهر عليه عجب ولا كبر، بل كان المتواضع القريب من الناس الداني إليهم، الموطأ الكنف لمعاشريه، حتى إنه ليقول فيه بعض معاشريه، إنه لم يشعر بالعزة إلا في ضيافته، إنما منشأ ذلك الاتهام الكاذب قدرته وبيانه، وقهره المجادلين، وشنه الغارات البيانية عليهم، وعجزهم المطلق عن أن يردوا بمثل بيانه أو قريب منه؛ فرموه بالعجب، وكذلك يرمي كل بليغ فصيح متكلم قهر مجادليه، وينقض عليهم حججهم من أطرافها. فلا يجدون رمية يغضون بها من قدره، ويسترون بها عجزهم إلا عجبه وتواضعهم كأنهم ما أسكتهم إلا التواضع؛ وما أنطقه إلا العجب، فهم مدوحون في صمتهم، وهو مذموم في حججه وتلك تعلة العاجزين يغضون بها من قدر القائلين، فقد كان في الحق مخلصاً بريئاً وقد وصل إلى أعلى التقدير، وكان يمكنه الاحتفاظ به لو سكت، ولنال رضا الجميع، ولكنه آثر رضا الخالق، ولم يهتم برضا المخلوق، ولاقى الأذى، والرمي بالإلحاد

(١) هذا الكلام وجدناه منسوباً للسيوطي في هامش الكواكب الدرية، ونحن نشك في هذه النسبة، لأنه يقول إنه ما رمقته، وأنه تعب معه وذلك يدل على المعاصرة، وذلك غير صحيح، لأن ابن تيمية مات في أول الربع الثاني من القرن الثامن، والسيوطي مات في أول القرن العاشر سنة ٩١١ فبينهما نحو قرنين من الزمن، فإما أن يكون هذا الكلام باطل النسبة برمته، وإما أن يكون قد نقله السيوطي عمن عاصر ابن تيمية، ولم يذكر صاحبه، والكلام في الحالين من حيث المعنى غير صحيح، فما كان في ابن تيمية عجب ولا شبه عجب والله أعلم.

103