1
ولا نجد ما هو أصلح من اقتباس معظمها. ومع ذلك فإننا نرى - لمطالعة هذه القصة بلا بلبلة - أن نرجع في البداءة إلى تاريخ المشرق الإسلامي العام في زمن ابن سينا.
وتمتد سيرة فيلسوفنا إلى عهد كل من الخلفاء: الطائع والقادر والقائم، وإذا ما قيست أسماء هؤلاء الخلفاء بأسماء أمثال المنصور والرشيد والمأمون وجدت مجردة من الرونق؛ وذلك أننا وصلنا - بالحقيقة - إلى دور انحطاط الخلافة العباسية؛ وذلك أن سلطان خلفاء بغداد المركزي قد ضعف، وأنه ظهر مغامرون في مختلف الجهات، فأقاموا دولا متنافسة. ومما حدث في عهد المتقي سابقا أن أميري الموصل الحمدانيين؛ ناصر الدولة وسيف الدولة، اللذين وجها سلاحهما المجيد إلى البزنطيين والروس خارج العالم الإسلامي، نازعا أمراء الترك حرس الخليفة مع لقب أمير الأمراء. وقد رأينا أن الفارابي لزم سيف الدولة.
ومما حدث في عهد المستكفي أن أولاد بويه - وهم أبناء فقير صائد للسمك على شواطئ بحر قزوين، فكانوا يزعمون أنهم من سلالة الملك الفارسي الساساني سابور ذي الأكتاف - دخلوا بغداد في سنة 334 على رأس كتائب من الديلم، فخلع المستكفي، وعمي واستبدل المطيع به. ولما انتحل الزعيم البويهي معز الدولة لقب السلطان الجديد، أضاف اسمه في الخطبة على المنابر إلى اسم الخليفة، وكان الأمراء البويهيون يميلون إلى معتقدات الرافضة، فسنوا - حتى ببغداد في يوم عاشوراء من سنة 352 والسنين التالية - عيد الشيعة، تذكارا للحسين بن علي، وأمروا بالاحتفال به.
ويستند السلاطين البويهيون إلى أمراء الديلم، فيمثلون - بجانب الخلفاء في سنين قليلة - دور وزراء البلاط، ويحملون الضعيف المطيع، الذي صار مفلوجا، على التنزل عن العرش، ويدوم عهد الطائع ثماني عشرة سنة مجهول الأمر تقريبا، ثم يخلع في نهاية الأمر ويسجن، ويجلس القادر في مكانه، ويدوم عهده إحدى وأربعين سنة من غير أن يكون ذا شخصية بارزة في التاريخ. وأخيرا زالت دولة آل بويه، التي نهكتها الفتن في عهد خلفه القائم، ولكن هذا لم يقع إلا لتقوم مقامها دولة الأتراك السلجوقيين، التي هي أكثر شهرة، وكان أفراد آل بويه قد تفرقوا في الإمبراطورية في إبان سلطانهم، ولما غدا ركن الدولة - أخو معز الدولة - مسنا، قسم البلاد الخاضعة لسلطانه بين أولاده في سنة 365؛ فأعطى أحدهم فارس وكرمان، وأعطى آخر الري وأصبهان، وأعطى ثالثا منهم همذان ودينور .
2
وسنرى أن ابن سينا كان ينتقل بين هذه المراكز.
وكان الملك في بخارى للسامانيين، الذين يرجع سلطانهم إلى أواخر القرن الثالث من الهجرة، وقد مات منصور بن نوح الساماني، الملقب بأمير خراسان سنة 365، وخلفه نوح بن منصور، فهذا كان أول حام لابن سينا.
وكانت فرقة القرامطة الغريبة قد ظهرت في جنوب إمبراطورية الخلفاء، وكان هذا منذ عهد المكتفي المجيد أيضا، وقد تكلمنا عن هذه الفرقة في كتاب آخر،
3
Неизвестная страница