ونقل إسحاق بن حنين إلى العربية سفسطي أفلاطون، وما بعد الطبيعة لأرسطو، ورسالة النفس، وكتاب العبارات، ورسالة الكون والفساد، وذلك مع شروح كثيرة للإسكندر الأفروديسي وثامسطيوس وأمونيوس.
وكان قبل هؤلاء العظماء قد قدم مترجم قدير اسمه يحيى بن البطريق - وهو ممن أعتق المأمون - ترجمة سريانية لكتاب الحيوان لأرسطو، وترجمة عربية لكتاب طيماؤس لأفلاطون، وكان العرب يعرفون طيماؤسين لأفلاطون، ويقسمونهما إلى أجزاء كثيرة، فلا يعرف بوضوح أي الكتابين يقصدون بذلك، وقد يكون الطيماؤس طيماؤس لقريق مع بعض شروح لجالينوس على فلسفة أفلاطون،
42
وترجم ابن ناعمة الحمصي النصراني إلى السريانية رسائل السوفسطائيين، كما نقل إلى العربية شرح يحيى فيلوبنوس لأجزاء طبيعيات أرسطو الأربعة.
وقدم أبو بشر متى بن يونس خدما ثمينة كمترجم، وقد كان نسطوريا من دير قنى، وتلميذا لرهبان من اليعاقبة، ومات ببغداد سنة 328، وإليه يعود فضل نشر رسائل السوفسطائيين بالسريانية، وترجم من السريانية كتاب التحليلات الثانية، وصناعة الشعر، وشرح الإسكندر الأفروديسي على كتاب الكون والفساد، وشرح ثامسطيوس للجزء الثاني عشر مما بعد الطبيعة، وجعل من نفسه شارحا أيضا، ففسر بالعربية كتاب المقولات، وكتاب الحس والمحسوس، والإيساغوجي لفرفريوس.
وكان قسطا بن لوقا - الذي ازدهر في عهد المعتصم - سريانيا نصرانيا من بعلبك، وقد ذهب للدرس في بلاد اليونان، حيث حصل على كثير من الكتب، وقد نال شهرة عظيمة كعالم ومترجم، ومما ترجم كتاب بلوتارك عن آراء الفلاسفة في الطبيعيات.
43
وتخرج يحيى بن عدي التكريتي، الذي هو نصراني يعقوبي، على المسلم العظيم: الفارابي، واشتهر في الجدليات، وتألق نجمه في عهد المطيع، ومات سنة 364، وقد أكمل كثيرا من الترجمات السابقة، وإليه يرجع الفضل في ترجمات لمقولات أرسطو مع شرح الإسكندر الأفروديسي، والرسائل السوفسطائية، وصناعة الشعر، وما بعد الطبيعة، والنواميس، وطيماؤس أفلاطون، وكتاب ثؤفرسطس في الأخلاق.
وبأبي علي عيسى بن زرعة - الذي هو نصراني يعقوبي آخر - نصل إلى زمن ابن سينا. وقد مات عيسى بن زرعة سنة 398، وقد ترجم إلى العربية - وفق الترجمات السريانية السابقة - المقولات والرسائل السوفسطائية، وكتاب الحيوان، وأقسام الحيوان مع شرح يحيى فيلوبنوس، وكان مؤلفا لرسائل أصلية في فلسفة أرسطو على العموم وفي إيساغوجي فرفريوس.
أجل، كان معظم هؤلاء المترجمين، الذين تكلمنا عنهم من النصارى، بيد أن المسلمين لم يلبثوا أن أساغوا علمهم، وأضافوا جهودهم إلى جهودهم، حتى إنه يلوح - عند الحكم في أمر العرب - أن أبناء دينهم فاقوا النصارى من فورهم في معرفة الفلاسفة الأولين وتفسيرهم، وأن من الواجب أن يوضع، فوق المترجمين الذين ذكرناهم، المسلمين المشهورين: الكندي والفارابي. ومع ذلك، فبما أن هذين الرجلين العظيمين مدينان بمجدهما لعبقريتهما كفيلسوفين أكثر مما لنبوغهما كمترجمين، فإننا سنتكلم عنهما بهذه الصفة في الفصل الآتي. •••
Неизвестная страница