عن المذهب، وقال أبو حنيفة: يجوز حكم العامي. قال القاضي: وهو ظاهر ما حكاه جدي رحمة الله عليه في المقدمات عن المذهب؛ لأنه جعل كون الاجتهاد فيه من الصفات المستحبة. وكذلك اختلفوا في اشتراط الذكورة؛ فقال الجمهور: هي شرط في صحة الحكم. وقال أبو حنيفة: يجوز أن تكون المرأة قاضيا في الأموال. قال الطبري: يجوز أن تكون المرأة حاكما على الإطلاق في كل شيء. قال عبد الوهاب: ولا أعلم بينهم اختلافا في اشتراط الحرية، فمن رد قضاء المرأة شبهه بقضاء الإمامة الكبرى، وقاسها أيضا على العبد؛ لنقصان حريتها، ومن أجاز حكمها في الأموال فتشبيها بجواز شهادتها في الأموال، ومن رأى حكمها نافذا في كل شيء قال: إن الأصل هو أن كل من يتأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز، إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى.
وأما اشتراط الحرية فلا خلاف فيه، ولا خلاف في مذهب مالك أن السمع والبصر والكلام مشترطة في استمرار ولايته، وليست شرطا في جواز ولايته؛ وذلك أن من صفات القاضي في المذهب ما هي شرط في الجواز، فهذا إذا ولي عزل وفسخ جميع ما حكم به، ومنها ما هي شرط في الاستمرار وليست شرطا في الجواز، فهذا إذا ولي القضاء عزل ونفذ ما حكم به، إلا أن يكون جورا.
ومن هذا الجنس عندهم هذه الثلاث صفات.
ومن شرط القضاء عند مالك أن يكون واحدا، والشافعي يجيز أن يكون في المصر قاضيان اثنان إذا رسم لكل واحد منهما ما يحكم فيه، وإن شرط اتفاقهما في كل حكم لم يجز، وإن شرط الاستقلال لكل واحد منهما فوجهان: الجواز والمنع. قال: وإذا تنازع الخصمان في اختيار أحدهما وجب أن يقترعا عنده.
وأما فضائل القضاء فكثيرة، وقد ذكرها الناس في كتبهم، وقد اختلفوا في الأمي: هل يجوز أن يكون قاضيا؟ والأبين جوازه؛ لكونه - عليه الصلاة والسلام - أميا، وقال قوم: لا يجوز، وعن الشافعي القولان جميعا؛ لأنه يحتمل أن يكون ذلك خاصا به لموضع العجز، ولا خلاف في جواز حكم الإمام الأعظم، وتوليته للقاضي شرط في صحة قضائه، لا خلاف أعرف فيه.
واختلفوا من هذا الباب في نفوذ حكم من رضيه المتداعيان ممن ليس بوال على الأحكام؛ فقال مالك: يجوز، وقال الشافعي في أحد قوليه: لا يجوز، وقال أبو حنيفة: يجوز إذا وافق حكمه حكم قاضي البلد.
وأما فيما يحكم فاتفقوا أن القاضي يحكم في كل شيء من الحقوق كان حقا لله أو حقا للآدميين، وأنه نائب عن الإمام الأعظم في هذا المعنى، وأنه يعقد الأنكحة ويقدم الأوصياء. وهل يقدم الأئمة في المساجد الجامعة؟ فيه خلاف. وكذلك هل يستخلف، فيه خلاف في المرض والسفر، إلا أن يؤذن له.
وليس ينظر في الجباة ولا في غير ذلك من الولاة، وينظر في التحجير على السفهاء عند من يرى التحجير عليهم.
ومن فروع هذا الباب: هل ما يحكم فيه الحاكم يحله للمحكوم له به، وإن لم يكن في نفسه حلالا؟ وذلك أنهم أجمعوا على أن حكم الحاكم الظاهر الذي يعتريه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، وذلك في الأموال خاصة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار.»
واختلفوا في حل عصمة النكاح أو عقده بالظاهر الذي يظن الحاكم أنه حق ، وليس بحق؛ إذ لا يحل حرام ولا يحرم حلال بظاهر حكم الحاكم دون أن يكون الباطن كذلك. هل يحرم ذلك أم لا؟ فقال الجمهور: الأموال والفروج في ذلك سواء، لا يحل حكم الحاكم منها حراما ولا يحرم حلالا، وذلك مثل أن يشهد شاهدا زور في امرأة أجنبية أنها زوجة لرجل أجنبي ليست له بزوجة، فقال الجمهور: لا تحل، وإن أحلها الحاكم بظاهر الحكم، وقال أبو حنيفة وجمهور أصحابه: تحل له، فعمدة الجمهور عموم الحديث المتقدم، وشبهة الحنفية أن الحكم باللعان ثابت بالشرع، وقد علم أن أحد المتلاعنين كاذب، واللعان يوجب الفرقة ويحرم المرأة على زوجها الملاعن لها ويحلها لغيره، فإن كان هو الكاذب فلم تحرم عليه إلا بحكم الحاكم، وكذلك إن كانت هي الكاذبة؛ لأن زناها لا يوجب فرقتها على قول أكثر الفقهاء، والجمهور أن الفرقة هاهنا إنما وقعت عقوبة للعلم بأن أحدهما كاذب.
Неизвестная страница