Сын человеческий: жизнь пророка
ابن الإنسان: حياة نبي
Жанры
وما كان يسوع ليرضى بأن تشوب صيغة دينية نفوس تلاميذه حينما يجلسون معه ليتناولوا طعاما حول مائدة، وما كان يسوع ليطالب بأن تغسل الأيدي والأطباق على حسب الطقوس، ولا بأن ينطق بسلسلة من الأدعية، أفلا تكفي جملة قصيرة لذلك؟ فالحق أن يسوع لم يحظر شيئا، ولم يفرض على أحد أن يقتدي به في صلواته ودعواته، وهو الذي لم يقرب قربانا، ولم يعمد إنسانا، ولم يحدث أن انقلب الدعاء الذي يقوله يسوع إجابة لرغبة تلميذ له إلى صيغة مقررة، فكان لا يعاد إليها ثانية، وبلغ يسوع من الجرأة واستقلال النفس ما كان يصرح به أن البشرى تناجي القلوب بغير صيغة معينة؛ فيسوع كان يرى الإثم أو العفو أمرا باطنيا، وإن شئت فقل: ثمرة لما لا يعبر عنه بالكلام من الأعمال الذهنية.
من أجل ذلك كان يسوع يحب الصغار والفتيان والجهال والفقراء ومن إليهم من الذين ليس عندهم من الأموال ما يحيدون به عن الصراط المستقيم، وقد انتهز تلاميذه نسوة أتين بأولادهن لكي يلمسهم فقال: «دعوا الأولاد يأتوا إلي ولا تمنعوهم؛ لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله، الحق أقول لكم: من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد؛ فلن يدخله.» فهنالك احتضن الأولاد ووضع يديه عليهم وباركهم، ولم يلبث يسوع أن رأى نفسه مضطرا إلى معاملة تلاميذه بأشد من قبل. ويسوع كجميع الأنبياء الذين ظهروا قبله وكيوحنا المعمدان نفسه قد احتاج إلى تلاميذ قليلين يتبعونه، فبهؤلاء يستطيع أن ينال بسرعة ما لا بد له من الصيت الضروري ليكون نافذا مؤثرا، ويسوع قد اعتمد على انطباعاته الأولى في اختيارهم، وهو الذي طلب منهم أن يتبعوه، فإذا حدث أن عرض أحدهم نفسه عليه أساء الظن به فرده، مع أن الجميع خذلوه في نهاية الأمر.
وكان بعض أولئك تلاميذ للمعمدان، وكثيرون منهم من أهل الثراء، فأمرهم بأن تكون أموالهم مشاعة كما بين الآزيين؛ ليعيش هو وتلاميذه منها، وكان أحبهم إليه سمعان بطرس ذو النفس العملية، ويعقوب الحمس، ويوحنا الحليم، وعلى ما عليه هؤلاء الثلاثة من التقوى وحرارة الإيمان والحب ليسوع كانوا من ذوي الأثرة والتردد، ومما وقع أن مر يسوع ذات مرة من شاطئ البحيرة، فرأى عشارا جالسا عند مكان الجباية، فأراد أن يجعل منه مثلا فقال له: «اتبعني!» فلبى هذا العشار المسمى لاوي دعوته هاجرا كل شيء، فلاوي هذا الذي يدعى متى أيضا عمل فيما بعد أكثر من أي واحد إعلاء لشأن معلمه، ومن الذين اختارهم يسوع إليه: سمعان الغيور الذي كان فيما مضى تلميذا ليهوذا الجليلي الثائر. ويهوذا الجليلي هذا من كان لأعمال بطولته وخاتمته الفاجعة أبلغ الأثر في يسوع أيام صباه.
وجميع أولئك من أبناء الجليل، عدا يهوذا الإسخريوطي الذي هو من أبناء الجنوب؛ أي من اليهودية، ولم يسمع يسوع نداء يحذره من اصطفاء هذا الرجل الذي هو وليد بيئة أورشليم.
وكان أكثر أولئك أصغر سنا منه، فيسهل عليه قيادتهم، فيدعوهم بأبنائه وعماله، فيأمرهم بتجهيز السفينة والتجذيف وتهيئة الطعام، وكان يقول لهم بصوت عال عند عدم إدراكهم لكلامه: «إذا كنتم لا تعرفون هذا المثل، فكيف تعرفون كل مثل؟»
ولم يؤلف يسوع جمعية، بل كان يحمل تلاميذه على تسميته بالمعلم والسيد عندما يقول مفاخرا: إنهم ملح الأرض ونور العالم.
وما كان يسوع ليبدو فارغ الصبر تجاه النساء اللاتي تبعنه في ترحاله، فظلت ثلاث أو أربع منهن بالقرب منه في أثناء ذلك، وجميع هؤلاء غريبات، فلم تكن واحدة منهن من بيته، ولا من بلده، وكن أغنى من الرجال، وكانت إحداهن حنة زوجة وكيل خرج هيرودس، فآمنت به كما آمنت سوسنة؛ لأنه شفاهما، وتبعت اثنتان من أولئك أبناءهما الذين هم من تلاميذه.
ويسوع إذ قامت تعاليمه على المحبة كان النساء أكثر إدراكا له من الرجال، فيضفون على اغترابه من الإعزاز ما يلائمه وما لا يلائمه، ويمجدنه بما لم يسع إليه، وما لا غنية له عنه، وهن حين يمسحنه بالعطور والأطياب فيستمعن إليه سابحات في عالم من الأخيلة، تنقلب المحبة التي يحملها في فؤاده إلى حقيقة، فيوزع بين عدة نسوة من المحبة ما يوجهه الرجل العادي إلى امرأة واحدة.
ويسوع إذ كان صفي الله شاعرا بقدر نفسه وكفايتها؛ فإنه يندد بالزواج الذي يعمل فيه كل من الزوجين على ما فيه رضا الآخر من دون الله، ولا يطالب يسوع الناس، ومنهم أقرب تلاميذه، بالطهر والعزوبة في الحياة العملية ما وجد بين تلاميذه المختارين فتيان متزوجان، وما رافقت بطرس زوجته، وما دافع عن الزواج بأن الله جامع الزوجين، وما حظر الطلاق بأشد مما في شريعة موسى نفسها، ولا يرفض يسوع شيئا تقدمه النساء إليه، فيسر ممن تبدو أحمس من غيرها في ذلك. ومن هذا القبيل أن كان يسوع في بيت أختين بإحدى القرى، فأخذت إحداهما مرثا تعمل في أمور المنزل على حين جلست الأخرى مريم عند قدميه، فسألته مرثا أن يأمر أختها مريم بأن تصنع مثلها، فتبسم قائلا: «مرثا! مرثا! أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، ولكن الحاجة إلى واحد، فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها.»
ويعد الجميع المعلم الجديد نبيا، ويبدو المعلم الجديد نبيا، ولم يفكر يسوع في أنه أكثر من نبي، وليس بقليل أن يرى نفسه في بعض الأحيان دون النبي، ولم يحدث أن بدا من يسوع ما يخيل به إلى السامع أن له خواطر وآمالا فوق خواطر البشر وآمالهم، وما كان يسوع ليذهب إلى أبعد من ذلك فيدعي أنه المنقذ المنتظر، فإذا ما قال الناس: إنه أحد قدماء الأنبياء راقه ذلك موجها أفكارهم إلى ملكوت السماوات، إلى أبينا جميعا، وإذا ما قال: إنه ابن الرب كان ذلك محمولا على أنه ابن الرب كجميع الذين يشعرون بانطواء أنفسهم على القوى المبدعة التي يشتق منها وجودنا. والآن يجد يسوع كلمة جديدة صالحة للتعبير عن تواضعه بقوله عن نفسه: إنه ابن الإنسان، وقديما أراد الأنبياء أن يلفتوا الأنظار إلى الهوة الواسعة التي تفصلهم عن الله، فكانوا يسمون أنفسهم بأبناء الإنسان، ومن هؤلاء دانيال وحزقيال اللذان أظهرا الرب مخاطبا كل واحد منهما بابن الإنسان؛ أي بآدمي ضعيف هالك ولد ليفنى بعد ألم، ولكن مع استعداد لنيل عفو الرب.
Неизвестная страница