112

Ибн Хазм: его жизнь, эпоха, взгляды и юриспруденция

ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه

Издатель

دار الفكر العربي

Место издания

القاهرة

والتي كانت في داخلها مدينة الجد، وإقامة الشعائر الدينية وستر المنكرات، وكسر أواني الخمر إن ظهرت وأعلنت نفسها، وأما إن استترت في المنازل فلا معقب لها. عاش ابن حزم في تلك المدينة مرتاداً مغانيها.. كما غشى مجالس العلم فيها، ويقصد إلى المساجد، ويجلس مجالس الحديث، ولا بد أن أسرته كانت تعنى بجمع الكتب. كما يعني كل ذوي اليسار فيها، ولكن كتب أسرته وجدت من يقرؤها وينقدها ويمحصها، ولم تكن كغيرها من الأسر التي كانت تتزين بجمعها؛ وتبحث عن الكتب لا لما اشتملت عليه، بل لملء فراغ في الخزانة، يحدث شوها لمنظرها إن استمر فارغاً.

عاش ابن حزم في تلك المدينة التي جمعت بين تلك المظاهر المتضاربة العشرين سنة الأولى من حياته فقد ولد سنة ٣٨٤ ولم يغادرها إلا سنة ٤٠٤، وكان يعود إليها الفترة بعد الأخرى، وما ينتقل منها إلا لمثيلاتها من مدائن الأندلس، وإن كانت دونها في التستر والتورع.

ولا شك أن ذلك الجو الاجتماعي كان له أثر في نفس ابن حزم، وفي فكره، فقد كان من آثاره في نفسه أن اجتمع فيه جفوة اللفظ أحياناً، مع رقة الطبع، وإن كان منها الشاعر الذي يذكر الغزل والمحبين. ويكتب تلك الرسالة القيمة في الحب، كتابة من ذاق وطعم، لا وصف من رأى فقط، وإن كان عفيفاً نزهًا إلا عن الحلال.

وكان لذلك المجتمع أثره في تفكيره، فقد اتخذ مادة للدراسة والتحليل والموازنات، وإن رسالتيه طوق الحمامة ومداواة النفوس مملوءتان بنتائج دراساته النفسية لذلك المجتمع الذي كان يموج بالعناصر المختلفة والمنازع المتباينة، والمظاهر المتضاربة.

وفي الحق إن كل شيء في الأندلس كان يتجه إلى تكوين عالم جليل، وإمام كالإمام ابن حزم، إن توافرت المواهب التي تكون كمواهبه والمنزع القوي الذي يكون كمنزعه، وقد توافرت تلك العناصر فكان إمام الأندلس وفقيهها، ومحيي الكتاب والسنة فيها، وإذا كان صوته قد خفت بعد وفاته فترة من الزمان، فقد قوي واشتد بعد موته بنحو قرنين، ولا زال يدوي في أرجاء الأرض الإسلامية، وإن تسمى بأسماء أخرى كما سنبين إن شاء الله تعالى.

112