في هذا المجتمع فالاحتكاك المستمر بين المسلمين والنصارى والاختلاط بينهم الذي كاد يكون امتزاجاً، والذي اشتد في عصره كان سبباً في جدل في العقائد، وإن كتابات ابن حزم تسجل طائفة من ذلك النوع في الجدل.

١٢٤ - من أجل ذلك لا بد أن نشير إلى ذلك المجتمع الذي أثار كوامن الفكر في ابن حزم، وأثار كوامن الإحساس فيه حتى جعل منه ذلك الذي يكتب في الحب كما يكتب في الفقه والعقائد.

لقد كان المجتمع في الأندلس يموج بعناصر مختلفة، جمعها المكان، ولكن لكل أرومته، ولكل سلالته وخصائصها.

فكان فيهم العرب الخلص، وهم الذين كان لثقافتهم ولغتهم ولأخيلتهم وابتسارهم البيانية الرائعة السلطان الكامل، لذلك كان الأندلس مظهر أدبي وفكري واحد، وحدته تلك اللغة السامية لغة القرآن الكريم.

وكان فيهم البربر، وقد كان منهم من له مقام مذكور في الفتح، وفيهم حدة طباع، وفيهم نفرة شديدة أحياناً، ولذلك كانوا وقود الفتن وموقديها، وفيهم من تهذبت طباعه وأرهفت أحاسيسه، فكان منهم إنتاج أدبي رائع.

وكان في ذلك المجتمع الصقالبة، والذين اعتنقوا الإسلام من سكان البلاد الأصليين.

وإن الغزوات الكثيرة التي غزاها المسلمون في جنوب فرنسا وغيرها من جزائر البحر الأبيض، وعودتهم بالسبايا من هذه الحروب، وتلك الفتوح الكثيرة قد أوجدت طائفة من الجواري الحسان كان لهن شأن في المجتمع الأندلسي، فإنهن ثقفن ثقافة أدبية عالية، فأثرن كوامن النفس العربية المرهفة الحس نحو الجمال، والتي تجيد تصويره، فانطلقت خواطر الشعراء وجادت قرائح الأدباء، وانبثق بثق من العواطف الإنسانية؛ بعض التزم الجادة، فلم يكن سيلا طاغياً، وفي بعض النفوس انقلب إلى هوى جامع لم يحكمه زمام العقل وقيود الفكر، وجلال الشرع، فأسرفت واعتدت.