Ибн Ханбаль: его жизнь и эпоха – его мнения и юриспруденция
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
الأمر من المناقشة إلى الأذى والامتحان، مادام قوياً وما دام في بغداد، إنه إذن أحمد ابن أبي دؤاد المسؤول من كل الوجوه عن كبر هذا الأمر، إن كان فيه إثم، وتبعة المأمون أنه جعل حاشيته، ومعاونيه من أصحاب المذاهب التي لا يأخذ بها الجمهور في ذلك الوقت، ولكنه كان وهو في قوته يجعل الأمر في دائرة الاعتدال لا يعدوه.
٥٧- وإذا حملنا أحمد بن أبي دؤاد كبر هذا الأمر، فهل لنا أن نحكم أن مسلك ابن أبي دؤاد كان شراً لا شيء من الخير فيه؟ وأن أحمد بن حنبل كان موقفه من كل الوجوه صواباً لا مجال للخطأ فيه؟
إن هذه قضية قد تعددت فيها جهات النظر، ولكل جهة حكم خاص بها، فمن جهة التقوى والإيمان والعزيمة وقوة الصبر والاحتمال ليس لنا إلا أن نقرر أن أحمد بن حنبل كان بطلاً من أبطال التاريخ الذين ابتلوا فأحسنوا البلاء، وصبروا في سبيل ما يعتقدون الصبر الجميل، ولم يقبلوا الدنية في دينهم، ويؤثروا الفانية على الباقية، في سبيل ما يعتقدون.
ومن جهة الاحتياط للدين، وصونه عن المقالات الفلسفية ومتاهات العقول ليس لنا إلا أن نحمد موقف أحمد، لأنه كان لا يريد الخوض في القضية لا سلباً ولا إيجاباً، بل كان متوقفاً لا يبت برأيه، بل إنه يرى أن هذا من المسائل التي لا يجمل بالمسلم الخوض فيها، والتعمق في دراستها، لأنه لم يؤثر عن السلف كلام في هذا، وهو في مسائل الدين كان رجلاً أثرياً لا يخوض إلا فيما خاض فيه السابقون، ليهتدي بهديهم، وليسلك مثل سبيلهم، وسنبين رأيه فضل بيان عند الكلام في آرائه.
ولكن إن نظرنا من وجهة الحكم في القضية من حيث كون القرآن مخلوقاً أو غير مخلوق، فإن الأدلة التي ساقها ابن أبي دؤاد في تلك الكتب، والعقل والبداهة تحملنا على الحكم للمعتزلة بصحة نظرهم، فإن القرآن، وإن كان كلام الله مخلوق، وهذا لا يمنع أن صفة الكلام قديمة بقدم الله سبحانه وتعالى، كما أن خلق الله سبحانه وتعالى بقدرته، وقدرة الله قديمة، وكونه خلق الخلق بهذه القدرة لم يستدع قدم الخلق، فلذلك كون القرآن تكلم الله به، وخاطب به محمداً، وأنزله عليه بقدرته، وبصفة
61