46

Ибн Ханбаль: его жизнь и эпоха – его мнения и юриспруденция

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

لصحبته، ويختار منهم من يريد لوزارته، وخص منهم أحمد بن أبي دؤاد بالرعاية والعطف والتقريب، حتى أنه أوصى أخاه المعتصم باشراكه معه في أمره، وقال له في وصيته:

«وأبو عبد الله بن أبي دؤاد، فلا يفارقك، وأشركه في المشورة في كل أمرك، فإنه موضع لذلك منك(١)».

فلما أحس المعتزلة بهذه المنزلة زينوا له إعلان قوله في خلق القرآن، نشراً لمذهبهم، وليكتسبوا بذلك إجلال العامة واحترامهم، وصادف ذلك هوى في نفسه فأعلن ذلك سنة ٢١٢ هـ، وناظر من يغشى مجلس مناظرته في هذا الشأن، وأدلى فيها بحججه وأدلته، ترك الناس أحراراً في عقائدهم، لا يحملون على فكرة لا يرونها، ولا عقيدة لا يستسيغون الخوض في شأنها.

٤٨ - ولكن في سنة ٢١٨ هـ، وهي السنة التي توفي فيها بدا له أن يدعو الناس بقوة السلطان إلى اعتناق فكرة خلق القرآن فأراد أن يحملهم على ذلك قهراً، وابتدأ ذلك بإرسال كتبه، وهو بالرقة إلى إسحاق بن إبراهيم نائبه في بغداد بامتحان الفقهاء والمحدثين، ليحملهم على أن يقولوا إن القرآن مخلوق.

ويظهر أنه ابتدأ يحمل الذين لهم شأن في مناصب الدولة، والذين يتصلون بالحكام بأي نوع من أنواع الاتصال، ولو كانوا شهوداً في نزاع يفصل فيه القضاء، فقد جاء في آخر أول كتاب أرسله إلى نائبه في بغداد:

«فاجمع من بحضرتك من القضاة، واقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين إليك، فابدأ بامتحانهم فيما يقولون، وتكشيفهم عما يعتقدون في خلق القرآن وإحداثه، وأعلمهم أن أمير المؤمنين غير مستعين في عمله، ولا واثق فيمن قلده واستحفظه من رعيته بمن لا يوثق بدينه، وخلوص توحيده، ويقينه، فإذا أقروا بذلك، ووافقوا أمير المؤمنين فيه، وكانوا على سبيل الهدى والنجاة، فمرهم بنص من يحضرهم من الشهود على الناس، ومسألتهم عن علمهم في القرآن، وترك شهادة من لم يقر أنه

(١) تاريخ الطبري.

45