Ибн Ханбаль: его жизнь и эпоха – его мнения и юриспруденция
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
فكرياً، وعلم أشتات العلوم التي لها صلة بالدين، ألمَّ ببعضها، وتعمق في خيرها، وآن له أن ينتج بعد أن استحصد، وجاء وقت إثمار تلك الشجرة بعد أن استقامت سوقها، وتهدلت فروعها، وغاصت في بطون الأرض جذورها، ودنا جناها، ورآه الناس، واستطابوه.
٣٤ - عندئذ جلس أحمد للتحديث والفتيا، ولقد قال ابن الجوزي إن أحمد لم ينصب نفسه للحديث والفتوى إلا بعد أن بلغ الأربعين ويحكي في ذلك ((أن بعض معاصريه جاء يطلب إليه الحديث سنة ٢٠٣ (ثلاث ومائتين) فأبى أن يحدثه، فذهب إلى عبد الرزاق بن همام باليمن، ثم عاد إلى بغداد سنة ٢٠٤ (أربع ومائتين)، فوجد أحمد قد حدث، واستوى الناس عليه(١))).
لم يتخذ أحمد إذن مجلساً لدرسه في الحديث والفتاوى في الواقعات، إلا بعد أن بلغ أشده، وبلغ أربعين سنة، ولم يسمح لنفسه قبل بلوغه هذه السن أن يتخذ له مجلساً للحديث والفتوى، وما سر ذلك، وقد رأينا غيره من الفقهاء قد اتخذوا هذه المجالس لهم قبل بلوغهم هذه السن، فالشافعي اتخذ مجلسه في مكة للدرس والإفتاء قبل هذه السن، ومالك رضي الله عنه يرجح أنه جلس للدرس والإفتاء قبل ذلك؟ ولقد علل هو ذلك بأنه لم يستسغ التحديث، وبعض شيوخه حي، فلقد ذكر أحد معاصريه أنه سأله أن يملي عليه حديثاً رواه عن عبد الرزاق، فامتنع لأن عبد الرزاق حي.
وعندي أن أحمد كان متبعاً للسنة لا يحيد عنها، كان يفعل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، ولا يفعل ما لم يفعله، حتى إنه كان إذا احتجم أعطى الحجام ديناراً، لأنه روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((احتجم وأعطى أبا طيبة ديناراً، وأنه تسرّى مع عدم رغبته الطبيعية فيه، بل تسرى، لأنه علم أن النبي صلى الله عليه وسلم تسرى، وقد استأذن زوجته في ذلك، فأذنت له، لتعينه على الأتباع.
(١) المناقب ص ١٨٨
(٣)
33