102

Ибн Ханбаль: его жизнь и эпоха – его мнения и юриспруденция

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

((حج عمر بن الخطاب فأنفق في حجته ستة عشر دينارًا، وأنت حججت، فأنفقت في حجتك بيوت المال)).(١)

ولقد غضب عليه المهدي، كما غضب أبوه من قبل، ففر هاربًا من وجهه، حتى مات غريبًا رحمه الله، ورضي عنه، ومات سنة ١٦١، فقد مات قبل أن يولد أحمد رضي الله عنه بثلاث سنوات، ولكنه كان أستاذه بسيرته، وحديثه، كما علمنا، وإن خلال أحمد قد رأيناها في سفيان قبله، فرأينا سفيان ينتقل في طلب الحديث بين العراق والشام والحجاز واليمن، حتى يقول له القائل: ((إن السباع مأوى تأوي إليها، وأنت لا مأوى لك)).

وكان يؤثر الخمول والعزلة على الشهرة، كما رأينا أحمد من بعده، وهو يؤثر الابتعاد عن الخلفاء على القرب منهم، وإن رسالته إلى بعض أصحابه ناطقة بهذا، وها هي ذي:

((إنك في زمان كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذون أن يدركوه، ولهم من القدم ما ليس لنا فكيف بنا حين أدركناه على قلة علم، وقلة صبر، وقلة أعوان على الخير، وفساد من الناس، وكدر من الدنيا، فعليك بالأمر الأول، والتمسك به، وعليك بالخمول، فإن هذا زمن خمول، وعليك بالعزلة، وقلة مخالطة الناس، فقد كان الناس إذا التقوا ينتفع بعضهم ببعض، فأما اليوم فقد ذهب ذاك، والنجاة في تركهم، فيما نرى. وإياك والأمراء أن تدنو منهم، وتخالطهم في شيء من الأشياء، وإياك أن تخدع، فيقال لك: تشفع، وتدرأ عن مظلوم. أو ترد مظلمة، فإن ذلك خديعة إبليس، وإنما اتخذها جار القراء سلمًا، وكان يقال: اتقوا فتنة العابد الجاهل، والعالم الفاجر، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون، وما لقيت من المسألة والفتيا، فاغتنم ذلك، ولا تنافسهم فيه، وإياك أن تكون كمن يحب أن يعمل بقوله، أو ينشر قوله، أو يسمع من قوله، فإذا ترك منه ذاك عرف فيه، وإياك وحب الرياسة، فإن الرجل تكون الرياسة أحب إليه من الذهب والفضة)).(٢)

(١) تاريخ بغداد جـ ٩ ص ١٦٠.

(٢) حلية الأولياء جـ ٦ ص ٣٧٧.

101