وما هي إلا أيام حتى اتحد جيش ريمون وجيش المعتمد، وأرسل ابن عمار رسوله بذلك إلى المعتمد، ووعد ريمون أن المبلغ سيصل فور عودة الرسول من إشبيلية.
وفي انتظار الرسول زحف الجيشان على ولاية «مرسية» ولكن أيام الزحف طالت، أو إن ريمون في الواقع شاء لها أن تطول فإن المال لم يكن قد وصله بعد وهو لا يريد أن يفقد المال والرجال في وقت معا.
وكان المعتمد في طريقه إلى مرسية ليلاقي ابن عمار كما اتفقا، وجاءه الرسول من ابن عمار ينبئه أن الجيشين قد اتحدا وأنه لم يبق غير أن يؤدي المعتمد المال، ولكن إخراج المال عسير في كل وقت، وما كان المعتمد ليعرف خطر تأخره رغم تحذير ابن عمار، فإن ابن عمار لم يبن لتحذيره عن غاية. تراخى المعتمد في أداء المال، ولعله أزمع في نفسه أن يؤدي هو المال بيده حين يصل إلى مرسية.
وما كانت هذه الفكرة لتصل إلى ذهن «ريمون» الذي رأى أن تأخر المال دليل على شر يبيت له، ورجح لديه أن ابن عمار خدعه، وكبر عليه أن يخدع، فما أسرع ما أمر جيشه أن ينسلخ عن جيش المعتمد، وحين حاول ابن عمار أن يستمهله أمر بالقبض عليه وعلى الراشد بن المعتمد معا، وحاول الجيش، جيش المعتمد أن يذود عن أميريه ولكنه ما لبث أن هزم.
تم هذا جميعه والمعتمد في طريقه - ما زال - إلى مرسية يبني في نفسه الآمال الكبار عن مدينة جديدة يضمها إلى ملكه سيجدها مفتحة الجوانب له ولحاشيته، ثم ما يلبث ذهنه أن يأخذ به إلى ابن عمار فيشكره في نفسه أن مهد له هذا الفتح المبين، وما أكثر ما يشكر المعتمد ابن عمار في نفسه.
وأراد المعتمد أن يطيل الأمد لهذه الفرحة التي تغمر نفسه وهو في طريقه إلى مدينته الجديدة فهو يبطئ في السير، فما يرى خميلة إلا وقف لديها وما يرى واديا إلا بات فيه ليلة أو أكثر، وما زال كذلك حتى بلغ ضفاف «الوادي اليانع»، وكان وصوله في موعد فيضان النهر فأقام لديه حتى ينحسر الفيضان فيعبر النهر.
ولكنه لم يكد يضرب الخيام حتى شق الماء إليه بقية جيشه الهزيم يصحبهما فارسان من فرسان ريمون ألقيا إليه النبأ جميعه فانشطر فؤاده حزنا على ولده الواقع في أسر، وحاول أن يخفف من بعض حزنه فوضع ابن أخي ريمون في الحديد، ولكن هيهات ما كانت نفسه لتهدأ بمثل هذا.
حينذاك فقط عرف المعتمد لماذا أوصاه ابن عمار أن يؤدي المال في الموعد وعرف لماذا اصطحب ابن عمار ولده، عرف كل شيء ولكن لات حين ... فما يغنيه اليوم أسفه وما يغنيه اليوم غضبه على ابن عمار.
يعود المعتمد إلى إشبيلية وتصيبه وجمة تظل رانية عليه عشرة أيام لا يدري من أمر نفسه أمرا، ولكن ابن عمار الذي ألف الصعاب وعركها كان سريع البديهة حاضر الذهن فما أسرع ما يلجأ إلى أحد أمراء الأندلس من أصدقائه ويرسل إليه أنه لائذ به فيتشفع هذا الأمير لدى ريمون، فيفك إسار ابن عمار ويبقي على الراشد بن المعتمد حتى يضمن وصول المال.
ويقصد ابن عمار إلى المعتمد يكاد أن يلوي به الخوف ولكنه لا يضعف إليه بل يقصد إلى إشبيلية، وحين يصل إلى أبواب القصر يعاود قلبه طائف خوف أن يكون المعتمد شديد الغضب عليه فيترك القصر إلى بيته، ومن هناك يرسل إلى المعتمد قصيدته الضخمة:
Неизвестная страница