ولا بد مما ليس منه بد في النهاية، فأما السكوت عنها فلا يطاق، وأما الصراع معها فلا يجدي فيه البأس، ولا تصلح له الشجاعة، فكانت حيلة السحر هي الحيلة التي انتهى إليها، ولم يكن له بد منها بحال.
وتخصص السحرة لرياضة هذه القوى التي لا ترضى بالأيدي والهراوات أو الحراب.
وظهرت البداهة الإنسانية في هذا التخصص كما تظهر عند الاضطرار إليها في توزيع جمع الأعمال.
فلم يكن السحرة المتخصصون لرياضة الأرواح والأطياف أناسا ممتلئين بالحياة، صالحين للكر والفر والصيد، واقتناء النسوة، وإنجاب الأولاد، بل كانوا على نقيض ذلك أمساخا عزلتهم الحياة، أو انعزلوا بعد اليأس من مجاراتها في مطالبها، ولاح بينهم وبين عالم الخفاء شبه مناسب يعقد بينهما العلاقات الغامضة، ويقرب لهما وسائل التفاهم، ويوقع في النفوس أثرا واحدا من التوجس والتساؤل والريب فيما وراء الظواهر والمألوفات.
وقد شهد الدكتور شويتزر “Schweitzer”
ترشيح بعض السحرة، وقال في مذكراته الأفريقية: «إن الدميم السيئ لا مطمح له في الحصول على امرأة يتزوجها، فإن كبراءه لا يشترون له امرأة لنفورهم منه، ويكون أبوه قد مات فيمتلئ بالمرارة، ويتحول إلى السحر للانتقام من قومه.»
وقالت الدكتورة روث فلتون بنديكت “Benedict” : إن بعض قبائل كليفورنيا من الهنود الحمر يتطلبون علم الغيب ممن يصابون بالصرع، ويتعرضون للغيبوبة في بعض نوباته، وأنهم يفضلون النسوة المصروعات، ولكنهم لا يقصرون الكهانة عليهن، وقد يكون الرجل المختار متأنثا بطبعه لا يصلح للزواج، ويلبس لباس النساء مدى الحياة.
2
ووصف الأب هنري كلوي “Callawey”
برنامج إعداد الساحر لوظيفته فقال: إنه قد يبدو في أول الأمر قويا سليما، ولكنه يهزل شيئا فشيئا، ويصبح في عرف القوم «ناعما»، ويعنون بذلك أنه يصبح عرضة للانفعال والتأثر، ويصوم عن بعض الأطعمة ويتأذى ببعضها، وتطرقه الأرواح والأطياف في منامه، ويهدده بعضها بالموت، ويقول العرافون: إنه يوشك أن يملكه روح تتصرف به على حكم الأرواح، وفي هذه الحالة يصاب أهل القرية بالأرق ويتساءلون عما أصابهم؛ لأن وصول الساحر إلى منزلة «الأنيانجا»، أي الملهم المكشوف عنه الحجاب، حالة لا تمر في المكان بسلام.
Неизвестная страница