(186) فالسؤال بحرف " أي " هو سؤال عن ذات نوع عرض له أن يتميز بماهيته عن سواه. والسؤال بحرف " ما " يطلب به ماهيته بغير هذا العارض، بل لتحصل لنا معرفته وفهمه وتصوره ملخصا بأجزائه اليت بها قوام ذاته بأسرها. فالذي سمي من أجزاء الماهية " فصلا " ليدل به على هذا العارض الذي يكون عرض له - وهو أن يكون مميزا بينه وبين قسيمه المشارك له ولذلك - تابع أيضا، كما عرض لجنسه أن كان عاما له ولغيره. فإذن إذا أخذت الطبيعة التي عرض لها أن كانت مشتركة له ولغيره لم يكن بد من أن يكون هناك فصل يميزه في ماهيته عن غيره المشارك له. فأن تكون هذه الطبيعة فصلا تابعا هي كما كانت الأخرى جنسا، وأن تكون تلك جنسا هي أن يشترك هذا وآخر في ماهيته، وأن تكون هذه فصلا هي أن يتميز هذا عن ذلك الآخر في ماهيته. والمعرفة الكاملة وبالنوع هي بهاتين - أعني بجنسه مقرونا بفصله. فإذن حرف " ما " أحرى أن تلتمس به ماهيته من حيث أجزاء ماهيته أمور قائمة وطبائع. وحرف " أي " أحرى أن تلتمس به ماهيته من حيث عرض لتلك لطبيعة أن كانت مشتركة. وهذه إن كانت مميزة فإن تلك لو لم تكن مشتركة لم تكن هذه مميزة. وحرف " ما " وإن كان قد يجاب عنه بما كان مشتركا للمسؤول عنه ولغيره فليس يطلب به على القصد الأول ما هو مشترك للمسؤول عنه ولغيره، بل إنما ألتمس أن يعرف ما به قوام ذات ذلك الشيء وما به تعقل ذات ذلك النوع، فوافق أن كان ذلك الأمر الذي سبيله أن يجاب عنه أمرامشتركا للمسؤول عنه ولغيره، ولم يكن الطلب له من حيث هو مشترك. فلأ نه كان مشتركا احتيج إلى السؤال عن ذلك الشيء بعينه بحرف " أي " ليزال الاشتراك والمشترك وليكمل العلم إذا علمنا الفصل الذي يميزه عن المشارك له وقيد به الجنس. فحرف " ما " لم يلتمس به أخذ الأمر الذي وافق أن كان جنسا من حيث عرض له أن كان جنسا، بل كان ذلك على القصد الثاني. وحرف " أي " التمس به على القضد الأول أن يؤخذ الأمر الذي عرض له أن كان مميزا من حيث له هذا العارض. ولذلك صار الجواب عن حرف " ما " ليس يكون بما هو خارج عن ذات الشيء.
(187) وقد يظن ببادئ الرأي وبما هو مشهور أن الجنس هو الذي يعرف ما هو النوع المسؤول عنه؛ وأما الفصل فإنما يحتاج إليه ليتميز وليكون علامة لجوهر ذلك النوع تميزه عن قسيمه، وأنه ليس هو جزء ماهية النوع. على مثال ما يمكن أن يظن أن المادة وهيولى الجسم كافية في أن يحصل الجسم به جوهرا، فإنه إنما هو جوهر بمادته لا بصورته، وأن ماهيته وذاته بما هو جسم أو بما هو نوع من أنواع الجسم إنما هو بمادته فقط، وصورته فإنما يستفيد بها أن يميز بها عن غيره من التي تشاركه في مادته. وكذلك يظن بالجنس أنه هو الدال على ماهو النوع المسؤول عنه دون الفصل. فلذلك لا يكاد يميز بين الرسم والحد. ولذلك صار لا يجاب بالفصل وحده في سؤال " ما هو " النوع المسؤول عنه بل يجاب به مقرونا بالجنس، ويجاب بالجنس وحده دون الفصل في سؤالنا عن النوع " ما هو " . وأما إذا تعقب يتبين أن الفصل أكمل تعريفا بماهو النوع المسؤول عنه من الجنس، وأنه لا بد من كليهما. وكل واحد منهما يجاب به في جواب " ما هو " النوع المسؤول عنه، إلا أن الفصل يقيد به الجنس. وإذا أخذامن حيث هما طبيعتان وأقرنا صار مجموعهما ماهو النوع المسؤول عنه، من حيث أن النوع أيضا طبيعة وأمر ما معقول. وحينئذ يخيل أن الحد المأخوذ منهما من حيث هما طبيعتان قائمتان معقولتان من غير أن يعرض لكل واحد منهما عارض يصير به ذاك جنسا وهذا فصل.فإذا تعقب تبين أن هذا حد الشيء بحسب المنطق وذلك حده بحسب الموجود، وكلاهما يؤولان في آخر الأمر إلى أن يكون الإنسان قد حصل له الموجود معقولا.
Страница 60