Человеческая свобода и наука: философская проблема
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Жанры
33
على الرغم من كل هذا فإن الإغريق أحرزوا تقدما كميا لا كيفيا وكميا غير ذي بال، فكانت الحرية كل الحرية للمواطن الأثيني والعبودية للنساء والرقيق والأجانب، ولم تتغير الأحوال الاجتماعية كثيرا في العصور الوسطى، وحتى أفولها لم يلح على الأذهان تساؤل حاد بشأن الحرية في مستواها الثاني. وحين انتهت العصور الوسطى وتخلقت البيئة الحضارية للعصر الحديث - عصر العلم الحديث والفلسفة الحديثة - ألقى العلم على كاهل الوجود كل تلك الحتمية التي رأيناها، فهدد بل خنق الحرية الأنطولوجية حتى اعتراها الذبول وشحوب الموت، وفي الوقت نفسه تكاتفت العوامل الأيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية لتترعرع حريات المستوى الثاني كائنا غضا يافعا جذابا يستأثر بالاهتمام، ولكنه بغير أساسه، الحرية الأنطولوجية، كائن ينمو مجتث الجذور بالوجود أو الواقع الأنطولوجي، ليدب الفصام في قلب مشكلة الحرية يسفر في النهاية عن التنائي الشاسع بين مستوييها أو شطريها حتى أباح المفكرون لأنفسهم بوعي أو بدون وعي إنكار شطر والإقرار بالآخر فتفاقمت هلامية الحرية، كدالة من دوال الشيزوفرينيا التي تلخص الآثار الوبيلة لمعضل الحرية في العالم الحتمي، والتي سيوضحها الفصل الثالث (الفقرة 18).
وإذا وضعنا في الاعتبار الفصل بين مستويي الحرية ثم تمكنا من إرساء المستوى الأول للحرية الأنطولوجية ثابتة مكينة أمكن أن ترى كل الجهود النظرية والعملية لتشييد حريات المستوى الثاني بمنجاة من الشيزوفرينيا، على الإجمال إنه طريق يفضي إلى تحقيق الأهداف المطروحة في مقدمة البحث، ولكن هذا البحث في حد ذاته الذي عرضت مقدمته الصورة أو بالأحرى الصورتين الأنطولوجيتين اللتين رسمهما العلم في انقلابه من الحتمية إلى اللاحتمية مختص بالبحث في الحرية بمستواها الأول الأنطولوجية والتي هي ببساطة غير كائنة في العالم الحتمي، وكائنة في العالم اللاحتمي، على أن هذا في الواقع ليس بالأمر البسيط.
الفصل الثاني
معضل الحرية في عالم العلم الحتمي
(5) نحن الآن في العصر الحتمي بإزاء الصورة التي رسمتها إبستمولوجية العلم النيوتوني لهذا الكون الذي يحيا فيه الإنسان ويمارس أنشطته وأفعاله، لتندرج في تيار الأحداث، وقد رأينا كيف انساق هذا التيار في تسلسل حتمي؛ كل حدث - سواء فيزيائي أو كيميائي أو بيولوجي أو سيكولوجي أو سيسيولوجي أو تاريخي ... إلخ حدوثه - ضروري وحدوث سواه مستحيل، ومعنى هذا انتفاء بدائل للحدث، وقد رأينا أن البدائل هي الشرط الضروري للحرية.
كل حدث محتوم لأنه معلول بما سبقه، وعلة لما يلحقه، إذن فكل فعل من أفعال الإنسان هكذا، ولو وجد عقل لابلاس الفائق، فسوف يستطيع التنبؤ بما يفعله كل شخص في كل لحظة، وعلى أقل الفروض حين يوجد نسق العلم السيكولوجي المماثل في نضجه وتطوره لنسق العلم الفيزيائي، سيستطيع عالم النفس أن يتنبأ يقينا بسلوك الشخص المحتوم عليه أن يفعله حين يتعرض لموقف معين، تماما مثلما يتنبأ عالم الكيمياء بسلوك الماء المحتوم حدوثه حين يتعرض الماء لدرجة حرارة معينة، وبهذا العلم اليقيني الشامل لا بدائل أمام الإنسان ليختار منها فقط الحدث الواحد والوحيد المحتم أنطولوجيا بالعلل وإبستمولوجيا بالقانون، فكيف الاختيار؟ ومن أين الحرية؟ وأي دور للإرادة؟!
الحتمية العلمية تعني أن كل حدث محتم بسوابقه، والمستقبل لهذا وليد الماضي، ومن ثم فإن أفعال الإنسان بدورها هكذا محتمة بسوابقها، أي عللها، ومستقبله وليد ماضيه، وقراراته وأفعاله المقبلة معلول حتمي للعلل البيئية والوراثية التي حددت في الماضي شخصيته فحتمت ردود أفعاله، وتماما كما استطاع العلم التنبؤ اليقيني بكسوف الشمس وخسوف القمر فسوف يستطيع التنبؤ اليقيني بالمشروب الذي يختاره الشخص في اللحظة المعينة، وبالمصيف الذي يختاره لقضاء إجازته، وبالثوب الذي سينتقيه وبالثورة التي سيقودها، وبالجريمة التي سيرتكبها، وبالمعونة التي سيتبرع بها، وبالكشف العلمي الذي سيتوصل إليه وبالعمل الفني الذي سيبدعه، وبالعاطفة التي سيعيشها، بل وبكل حرف يتفوه به وبكل إيماءة تصدر عنه ... إلخ، وإذا كنا لا نستطيع الآن التنبؤ بهذا فتماما كما كنا منذ مئات الأعوام لا نستطيع التنبؤ بكسوف الشمس وخسوف القمر، المسألة مجرد حدود للجهل ستتقلص بمرور الأيام وبتقدم العلوم خصوصا علم النفس وسائر علوم الإنسان، حتى نصل إلى اليوم الذي ندرك فيه آفاق الحتمية الشاملة الكاملة ولا يبقى مجال لحتمية مجهولة ، فنتصور أن هذا المجال مجال للحرية، إذن الإرادة ووهم الحرية كسائر شياطين التخلف تولد وتحيا في ظلام الجهل، ونور العرفان كفيل بوأدها، وحينما يتحقق نسق العلم الكامل سيعم نوره فيلغي افتراض الحرية نهائيا!
على أن الحتمية العلمية لم تكن في حاجة إلى أن تنتظر ريثما يتحقق نسق العلم الكامل، أو حتى نشأة العلوم الحتمية الإنسانية لكي تنفي حرية الإنسان، ولا حتى كانت في حاجة ماسة لذلك التأويل الذاتي لحدود الجهل الإبستمولوجي، لتنزه الواقع الأنطولوجي من أية شبهة حرية من حيث كانت تنزهه من أية شبهة لا حتمية ... كلا لم تكن الحتمية العلمية في حاجة ماسة لكل هذا؛ لأننا رأيناها - في المدخل - قد بدأت في أولى خطواتها بالحتمية الفلكية وبهذا استطاع مبدأ الحتمية أن يواصل مسيرته بغير انقطاع عبر التاريخ، ويمارس دوره المطرد في نفي الحرية، وبغير أن يعرقل هذا الاطراد الانقلاب الجذري الذي أحدثته ثورة العلم الحتمي في العصر الحديث، فهذه المرحلة المبكرة من العلم الحديث الحتمي - في القرن السادس عشر وبواكير القرن السابع عشر - كانت خطوة حاسمة للانتقال من علم التنجيم الخرافي إلى علم الفلك الوضعي، كمقدمة لنقل بقية أفرع العلم إلى المرحلة الحتمية الوضعية، بيد أن العقول كانت - ولعل بعضها لا يزال حتى الآن - مشبعة بمقدرة التنجيم على قراءة الطالع والتنبؤ بمصائر الأشخاص، ولما كان علم التنجيم يزعم أنه يفعل هذا عن طريق حركات النجوم والكواكب، فمبجرد أن أتانا العلم الحتمي بأول مراسيمه الحتمية - أي بأن حركات النجوم والكواكب خاضعة لضرورة الحتمية العلية - إلا وكان هذا المرسوم يعني أيضا أن مصائر البشر بدورها هكذا.
على هذا النحو انقضت الحتمية العلية بأولى خطواتها الغضة على حرية الإنسان لتلزمه بالمحتوم، وبمرور الأعوام تجاوزت الحتمية ميدان الفلك لتصل إلى كل الميادين الواحد بعد الآخر، وكل ميدان تفرض سطوتها عليه يؤكد من جانبه نفي حرية الإنسان حتى وصلت إلى غايتها بالتفسير الميكانيكي الجامع لكل ظواهر الوجود، «والذي يعتبر العالم دائرة مقفلة من الحوادث يتصل بعضها ببعض اتصالا عليا بحتا لا دخل لاختيار الإنسان فيه، وأن كل ما يحدث قد قدر أزلا وأحصي عددا كما لو كان نتيجة لعملية حسابية عظمى قام بها عقل حاسب»،
Неизвестная страница