Человеческая свобода и наука: философская проблема
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Жанры
لم يكن أمام الفيزياء الكلاسيكية إلا هندسة إقليدس؛ فظنوا أنه لا هندسة سواها، وأنها الأنموذج الأمثل لليقين المطلق المنشود، حتى إن القديس توما الإكويني (1225-1274) قد شغلته القضية: ما الذي يكون فوق إرادة الله؟ فوضع إجابة تتضمن بضعة أشياء، منها أنه تعالى لا يستطيع أن يجعل زوايا المثلث أقل من قائمتين فقد كان الجميع - فلاسفة وعلماء ومثقفون وعوام - شأنهم شأن إيفان كرامازوف بطل رائعة دستويفسكي، على يقين من أن الله خلق العالم بموجب الهندسة الإقليدية، فليس غريبا أن تطرح فيزياء نيوتن الكلاسيكية كل هذه الحتمية، وهي تقوم بتطبيقها على الواقع الفيزيائي، فتسلم مثلها بأن السطح مستو، كما تلاحظ الخبرة العادية.
بيد أن المسلمة الإقليدية الخامسة، القائلة باستحالة التقاء الخطين المتوازيين، أثارت مشكلات، فقد شك الرياضيون في أنها مسلمة، وحاولوا إثباتها باستخدام المسلمات الأخرى، ولم ينجح أحد، وبعضهم أفضت به هذه المسلمة إلى الجنون، فلم يكن أمامهم إلا برهان الخلف (أي البرهنة على صحة القضية بإثبات خطأ عكسها)، وبالتالي بدءوا بالتسليم بالعكس: إمكانية التقاء المتوازيين، ولكي يفعلوا هذا افترضوا أن السطح غير إقليدي؛ أي غير مستو. من هنا أدت المسلمة الخامسة إلى الهندسات اللاإقليدية، وهي كل الأنساق الهندسية التي تختلف عن نسق إقليدس في أنها لا تفترض أن السطح مستو، فتسلم بمسلمات مخالفة.
فجاء لوباتشيفسكي (1792-1856) ونشر عام 1829 في جامعته قازان مذكراته حول مبادئ الهندسة، وكان هذا أول عرض منهجي كامل لهندسة لا إقليدية، ترفض بديهية التوازي، فتفترض أن السطح ليس مستويا، بل مقعرا، ثم جاء الألماني ريمان (1826-1866) ليفترض أن السطح محدب، ووضع نسقا لهندسة لا إقليدية، لا توجد فيها أية خطوط متوازية على الإطلاق.
هاتان الهندستان تختلفان مع الإقليدية، ومع هذا كلتاهما - كالإقليدية - صحيحة ويقينية «في بنائهما الداخلي» مائة في المائة، أدركنا إذن أن الله يمكن أن يخلق مثلثات زواياها أكثر أو أقل من قائمتين، وأن ما قاله إقليدس محض بناء عقلي بارع وليس ضربة لازب مفروضة على الله قبل الإنسان!
خصوصا وأنهما ظلتا رياضيات بحتة فحسب، حتى جاء آينشتين وجعل منها الرياضة التطبيقية، فقد أثبت الخطأ في محاولة تطبيق الإقليدية على العالم وأنه ليس به استقامة ولا استواء، وجعل من نسق ريمان، وهو هندسة السطح المحدب، الهندسة الفيزيائية لهذا الكون، فقد ذكرنا أن النسبية العامة تجعل كل السطوح محدبة، وكان آينشتين يعتبر هذا أعظم إنجازاته، وحين سأله ولده عن سبب شهرته، أجابه: أتعلم يا بني، عندما يزحف صرصور أعمى على سطح كرة فإنه لا يلاحظ الطريق الذي سار فيه، بينما أنا على العكس أسعدني الحظ بأن ألاحظ ذلك!
أفلا يعني هذا أن العلماء حين استمدوا من إقليدية النيوتونية سندا لحتميتهم كانوا كالصراصير العميان! •••
ثم جاءت ثورة المنطق الرياضية، أو ثورة الرياضة المنطقية، حين استأنف وايتهد (1861-1947) وبرتراند راسل (1872-1970) جهود زملائهما، وأخرجا كتاباهما العظيم «أصول الرياضيات»
وفيه يبدآن بثلاثة لا معرفات هي الإثبات والنفي والبدائل، ومنها فقط تمكنا بواسطة التدوين الرمزي من استنباط قواعد المنطق الصوري، ومنها استنبطا الرياضيات البحتة بأسرها، ومعنى هذا أن الرياضيات امتداد للمنطق وأنها مثله فارغة من أي مضمون إخباري، ومحض تحصيلات حاصل، الرياضيات إذن يقينية لأنها لا تمثل إلا ارتباطات جديدة، بين مفاهيم معروفة ، وتبعا لقواعد معروفة.
وبهذا ثبت أن الرياضيات تحليلية ، شق القضية فيها مجرد تحليل للشق الآخر، أي أنها ليست تركيبية ولا تقوم بتركيب معلومات تحمل أخبارا، إنها مجرد بناء عقلي بحت وإنشاء منطقي خالص، إنها ملكة العلوم والمبحث الصوري الرفيع المرتفع عن شهادة الحواس، وعن لجة الواقع المادي.
بذلك نفهم مثلا كيف أن الإقليدية، بعد ظهور نسبية آينشتين فقدت ارتباطها الضروري بالواقع ومع هذا ظلت يقينية، فاليقين هنا هو يقين الضرورة المنطقية التي تربط بين أطراف النسق، لقد طلب منا إقليدس أن نسلم بمسلمات معينة ثم أعطانا النتائج التي تلزم يقينا عنها؛ أي تحليلاتها بصورة أو بأخرى، ولا شأن لنا بالواقع والإخبار عنه. وبالمثل فعل لوباتشيفسكي وريمان، فتوصلا إلى نظريات مختلفة، وكلها يقينية؛ لأنها جميعا تلزم بالضرورة عما سلمنا به من مسلمات اختلفت من نسق لآخر.
Неизвестная страница