Человеческая свобода и наука: философская проблема
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Жанры
22
بعبارة أخرى بسبب التحرر من وهم الحتمية، أي الظافر باللاحتمية، وبالتالي الظفر بعلم ليس ينفي الحرية الإنسانية، بل يتسع تماما لها. ••• (42) «الحرية الإنسانية في عالم العلم المعاصر»: إذا كان العلم الراهن (وهو أقصى مد عقلي) يمكن أن يعلمنا كيف تكون العقلانية والنسقية، يحمل عالمه كل هذه اللاحتمية، فكيف تبرز إذن تلك التصورات التي ترى الحرية من مخلفات عصور الجهالة كيانا أهوج، عالمها اللاحتمي عماء وفوضى، كل شيء فيه جائز ولا نظام له، ولا علاقة بين أحداثه؟!
يعلمنا العلم المحدث علم النسبية والكوانتم، كيف أن العالم اللاحتمي كوزموس منتظم، بل وذو ثوابت عتيدة تذوي بجوارها الثوابت الحتمية، تعني اللاحتمية حدودا معينة للاحتمال، ومجالا محددا للإمكانيات، بعبارة أخرى ثمة أوضاع معينة ولكنها ليست محتمة، وهذه الأوضاع المعينة هي التي تمارس الحرية من خلالها، عن طريق الاختيار بين البدائل والسبل المطروحة للسلوك، وليس أي سلوك أو تصرف على الإطلاق، مثل ذلك العالم الذي يمكن لأي شيء فيه أن يصبح أي شيء، والذي يتوقع من أي شخص فيه أي سلوك أو أي تصرف ... مثل هذا العالم لا يتراءى لغير عقول مريضة يعوزها العلاج النفسي، وهو عالم ليس يصلح للحرية ولا للحتمية، بل إنه لا يصلح للوجود أصلا، فضلا عن الوجود المتعقل المعاش.
عوامل البيئة والوراثة والدوافع السيكولوجية، ومعها الجينات أو المورثات، لا تنفي أهمية الفوارق الفردية، وليست تحركنا كما تحرك الخيوط الدمى، بل تسهم في طرح احتماليات معينة للسلوك المعين في الوقت المعين، وقد تجعل لواحدة من الإمكانيات احتمالية أعلى من سواها، ومهما كانت عالية، فليس ثمة حتمية لا فرار منها، إنها تسهم في تشكيل الموقف الذي تمارس الحرية من خلاله، وطبعا كثير من العوامل التي تشكل الموقف ربما لم يخترها الفاعل، ولا يمكنه أن يختارها، ولكن مهما كان فيها من عسف وظلم - كأن يبلى دونا عن الجميع بمصيبة أو عاهة - فإن الحرية الأنطولوجية كائنة، تمكنه من مواجهة المصيبة بأكثر من تصرف؛ ليكون المجال العيني لإثبات عزم الإرادة وقوة الحرية، أما عن الظلم في حد ذاته، فليس يتعلق بقضية الحرية الإنسانية، بل ربما بقضية العدالة الكونية.
رأينا - في المدخل - كيف ينتظم الكون الفيزيقي في نظامه البديع بقوانين كلية إحصائية، بمعنى أنها ليست ضربة لازب أو قضاء محتوما على الجسيم المنفرد، بل يظل الجسيم المنفرد - في العالم اللاحتمي التعددي - يحتفظ بشيء من الفردانية داخل القانون، أجل، كلنا ننشد أن تصل العلوم الإنسانية إلى درجة التقدم الباهر التي أحرزتها الفيزياء وحين يصل علم الاجتماع إلى هذه الدرجة، سيظل كل فرد في المجتمع محتفظا بشيء من الفردانية ... من الحرية ... داخل القانون الإحصائي الدقيق.
إن الفيزياء المعاصرة تتنبأ بالحدث، وبدرجة احتماليته ودرجة اللاتعين الكائنة فيه بمنتهى الدقة، فهل سيستطيع علم النفس هذا يوما، فيتنبأ بالسلوك الإنساني ودرجة الحرية الكائنة فيه؟ هذا أمل علمي بحت، وليس يهم الفلسفة كثيرا، فكما أوضحنا الحرية الأنطولوجية، إما أن تكون أو لا تكون، إما منفية وإما مثبتة، وقد سحب العلم حتميته التي تنفيها، إنها إذن غير منفية.
وليست الحرية غير منفية فحسب، بل يمكن جعلها مثبتة إيجابيا، إنها اختيار بين عدة أحداث، لاحتمية العالم تجعلها كلها ممكنة، ولا تفرض أيا منها، ولكن واحد فقط هو الذي سيحدث، وربما يحدث فيزيقيا كمصادفة موضوعية، ولكن إذا كان الموقف على مستوى السلوك الإنساني وتدخل عنصر إنساني فعال، فأحدث هذه الإمكانية دون سواها، مع أن سواها كان يمكن أن يحدث لو لم يتدخل هذا العنصر بالذات، فإن هذا العنصر أو العامل الفعال، هو ما نسميه بالحرية الإنسانية، إنها إمكانية أو قوة الاختيار المتعمد وهي سلوك إرادي موجه، وبهذا يحمل الفعل الإنساني طابع الجدة، وتصبح المسئولية كائنة: فهل هذا الاختيار الموجه يتناقض مع المعايير والمبادئ الأخلاقية التي يسلم بها الفاعل؟
مع اللاحتمية يختلف موقف اللص عن موقف المصاب بجنون السرقة، الأخير وعيه غير سوي، ومرضه ينفي أو يضعف احتمالية السلوك السوي المتسق مع المبادئ الأخلاقية، فلا مسئولية، أما مع اللص فقد انتفى هذا النفي، لتصبح المسئولية كاملة، سطحية الحتمية أفضت إلى ضم الإنسان والحيوان والجماد في نسق العالم الواحد مما يرفع المسئولية عن الإنسان على أساس أنه خاضع لنفس حتمية الحجر الساقط على رأس شخصه فقتله، ولما كان من غير المعقول أن نلوم حجرا، كان من غير المعقول أن نلوم أي قاتل، أما خصوبة ورحابة وفعالية التصور اللاحتمي الذي يعني التعامل مع متغيرات أكثر، فيمكنه أن يضيف عنصر الوعي والجهد الإرادي المتعمد كعامل متميز في دراسة وفهم الإنسان، فيتحمل مسئولية ما فعل دونا عن الحجر الساقط غير ذي الوعي.
تلك هي النتيجة المتوقعة من انهيار التصور الميكانيكي الذي يرد كل شيء إلى كتل المادة الصلبة الساذجة، بل وانهيار الكتل الساذجة ذاتها وانحلالها إلى جسيمات وموجات، والذي لا خلاف عليه الآن، أنه قد اتضح أن مكونات المادة لا تشابه بأية حال الكريات الصغيرة والحبيبات الدقيقة التي كانت متصورة كمكونات للمادة في العالم الحتمي، أو كمكونات للعالم الحتمي ذاته، ومن المؤكد أن انهيار هذا المفهوم الحتمي للمادة، يمكن أن يكون فاتحة سبيل قد يفضي إلى قهر الثنائية الكبرى: العقل والمادة، ومن المؤكد أكثر أنه بالتكوين الجديد للمادة والنسيج الجديد للعالم الفيزيقي، يمكن أن يتحقق نسق العلم الواحد المنزه عن قهر إنسانية الإنسان والذي يرسم صورة لعالم نحن لسنا غرباء عنه كما كنا غرباء عن عالم العلم الحتمي بافتراضه التعسفية الجائرة، العالم اللاحتمي أصبح أقل قسوة وفظاظة، ومن الممكن التصالح معه، والبرء من الشيزوفرينيا الأليمة.
وكيف لا نبرأ منها؟ وقد أتى تصور الإنسان الفاعل الحر المسئول من قلب البناء الأنطولوجي المستقي من الدلالة الإبستمولوجية للعلم، أي التفسير العقلاني للكون، المتوج بحلم أن يحرز العلم ككل وكفروع أقصى درجات التقدم، وبعد أن ودعنا مرحلة الشيزوفرينيا ومبرراتها، أصبح كل تقدم للعلم اللاحتمي ظفر للإنسانية من كل الوجوه، وبكل أبعادها، فلم يعد العلم ليمضي في طريق إنكار الحرية الإنسانية، ولم يعد يملك حججا ضد معايشتنا الفطرية للحرية والاختيار. ••• (43) والحق أن في هذا القول تواضعا مجافيا للواقع، فالعلم المعاصر لا يقتصر على سحب إنكاره للحرية، بل أن يستلزمها، عرف علم النفس الفلسفي الإرادة الحرة بأنها الاختيارات التي نقول عنها إنها غير ذات حتمية ضرورية من قبل الجهاز العصبي، أو من أية علة فيزيائية أخرى،
Неизвестная страница