Человеческая свобода и наука: философская проблема
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Жанры
مع النظرة اللاحتمية الأبسط والأرحب والأصدق، والمتخلصة من كافة النزوعات اللاعلمية، نجد عدة عوامل تؤدي علاقاتها ببعضها إلى عدة احتمالات، كلها ممكنة وحدوث أي منها أو عدم حدوثه لن يهدم العلم، ولا العالم، ولن يحيله إلى فوضى، إنه تعاقب الأحداث اللاحتمي لا تسلسلها الحتمي، وتتابعها وفقا للقوانين الاحتمالية لا العلية، والأحداث في كلتا الحالتين مترابطة ومنتظمة، وقابلة للتعقل والتفسير القانوني والنسقي، ولكن شتان ما بين التفسيرين.
حلت اللاحتمية محل الحتمية، فحل الترابط الإحصائي بين الأحداث محل الترابط العلي، والاتجاه المحتمل محل الاتجاه الضروري، واحتمالية الحدث محل حتميته، لم يعد حدوثه ضروريا ولا حدوث سواه مستحيلا، فأصبح التنبؤ العلمي أفضل الترجيحات بما سوف يحدث، وليس كشفا عن القدر المحتوم، ومن ثم انقطعت كل همزة وصل بين العلم وبين الجبرية العتيقة، بعد أن تكفل في مراهقته الحتمية بمواصلة مسيرتها، إنه زيف المطلق الذي انكشف لما تصدعت تصورات الزمان والمكان المطلقين والثوابت المطلقة، فاختفى المثل الأعلى للعالم بالحقيقة المطلقة كشيطان لابلاس الذي يعلم كل شيء ويتنبأ بكل شيء، لما اختفى المثل الأعلى للعالم الذي يدور كما تدور الساعة المضبوطة، والنتيجة: أن ارتدع العلماء عن الغرور الأهوج المريض الذي أكسبتهم إياه الحتمية. إنهم أدركوا سذاجة وسطحية تصور العمومية لقوانينهم، بحيث لا تخرج من بين يدي أي منها ولا من خلفه صغيرة ولا كبيرة، لا في الأرض ولا في السماء.
على هذا انتهينا إلى أن اطراد الطبيعة، الذي يبرر العلية وهي تبرره، مثله مثلها افتراضات بلا أساس، كما أثبت تحليلات سابقة، أما ما أضافته ثورة العلم اللاحتمية، فهو أنه لم يعد ثمة مبرر لبقائهما، ولا حاجة لهما، إن الفيزيائي المعاصر الذي يعمل بالآلات الدقيقة في معمله ليكشف عن قوانين انتظام الطبيعة، لا يعوزه البتة مفهوم الاطراد الحتمي؛ لأنه يعلم حدود الدقة، ويدرك جيدا عبثية وصعوبة أن يجعل الظاهرة تكرر نفسها تماما، إلا داخل حدود معينة من اللاتعين وبالتالي للخطأ المحتمل، إنه الآن لا يبحث عن اطراد الطبيعة وأحداثها، ويكفيه انتظامها القائم على أساس إحصائي، لا علي، ليبحث عن احتماليتها، أي ترددها بنسبة مئوية معينة، مستمدة من ترددات لوحظت في الماضي، ويفترض أنها سوف تسري تقريبا على المستقبل. لقد استرحنا أخيرا من العلية والاطراد، ومن دورانهما المنطقي الشهير، انهارا معا حين تحققنا من دخول عنصر المصادفة في بنية الطبيعة، فاكتسبت المصادفة ثوبا قشيبا، وتخلصت من الأدران الجائرة التي طالما لحقت بها في عصور يقين العلم الحتمي، أما اليقين فلا حديث عنه سوى أنه تبخر من دنيا العلم حتى شاع قول دارج الآن: العوام على يقين من كل شيء، ويكفي أن العلماء ليسوا على يقين من أي شيء. فقد كانت أبرز معالم الثورة العلمية وأشهر إنجازاتها، في أنها جزمت - منطقيا - من أن أية قضية إخبارية بما هي إخبارية احتمالية ونقيضها ممكن، ولا يقين إلا في القضايا التحليلية الفارغة من أي مضمون إخباري وهي قضايا المنطق الصوري والرياضة البحتة ؛ وعلى هذا، إذا كانت السمة الرياضية بينة للحتمية فإنها أيضا وبنفس الدرجة بينة لللاحتمية، غير أنها في الواقع لا تصلح بينة لأي منهما، فالرياضيات محايدة تماما، محض رموز تعبر بها عن مرموز إليه، ونملؤها بالمضمون سواء افترضناه حتميا أم لاحتميا، على أن رياضيات الإحصاء وحساب الاحتمال المعقدة النامية حديثا، هي ألف باء للعلم المعاصر، ومنطق الاحتمال عموده الفقري، بعد أن كانت العلية هي العمود والعماد والعمدة، إنه ذلك التطور المفاجئ الذي حل بمفهوم المصادفة، فحلت موضوعية الاحتمال محل ذاتيته، خصوصا بعد نشأة ونجاح الميكانيكا الموجية البارعة، ومعنى حلول موضوعية الاحتمال محل ذاتيته أن اللاحتمية أصبحت طبيعة العلم والعالم، إبستمولوجيا وأنطولوجيا.
أما التصور الأنطولوجي للحتمية الميكانيكية فقد أضحى أثرا بعد عين، خصوصا بعد النظرية النسبية، ولا تبقى إلا المادية الكلاسيكية، التي كانت الأمينة كل الأمانة على كل ما يقول به العلم، وهذه المادية البليدة الساذجة قد أصبحت في نظر علماء الطبيعة المعاصرين نموذجا على التفكير الذي راح عهده وتجاوزناه، إنه تفكير متخلف منحصر في الكتل الصلبة التي تصطدم بها القدم حينما تتعثر في الطريق، وقد استحالت المادة على أيدي العلم المعاصر إلى كائن أكثر شفافية من أي كيان تحدث الروحانيون عنه.
وإذا قارنا هذا بعناصر الحتمية التي عرضها المدخل - في التعريف بها - اتضح كيف اندثرت الحتمية وتهاوت أوثانها. ••• (41) فيالخيبة أمل لابلاس والحتميين جميعا! حقق العلم المعاصر حلمهم فنزع القشرة الخارجية للعالم بل وللذرة، ولكنه - لوكسة الحتمية - لم يكتشف وراءها آلة ميكانيكية هائلة، بل «اكتشف كل ما يثبت خطأ التفسير الميكانيكي لفيزياء نيوتن وخطأ الزعم بأن كل الظواهر خاضعة لقوانينها، الآن ومنذ بداية هذا القرن [العشرين] تم رفض هذا التفسير نهائيا، واتضح مدى سذاجة تصوراته العينية لمفاهيم الكتلة والقوة».
2
ضاع مرام الحتميين في التحديد الفردي لمسار وموضع كل جسيم، وكثوابت مطلقة تظل كما هي بمنأى عن أية تغيرات متوقعة، فتصلح مقدمة للعلم الشامل.
وسبحان مغير الأحوال، لقد انقلبت الأوضاع الآن، «واللاحتمية التي كانت حتى عام 1927 قرينة الجهل والإظلام، أصبحت هي الطراز المسيطر ».
3
والمعلم الحقيقي على عصرية السمة العلمية، أما الحتمية التي كانت المثال الأعلى وقدس الأقداس فقد أصبحت الموضوع الأثير لسخرية العلماء، فيقول عنها العالم الفرنسي جان لويس دتوش
Неизвестная страница