وعيسى نفسه يعرف أنه وأمه عبدان فقيران لله ، ويوم الحساب يقران بذلك ويستنكران غلو الغالين فيهما { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق } [ المائدة : 116] ، { ماقلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم } [ المائدة : 117] ، والواقع الذي يعلو به صوت البديهية : إنه من المستحيل جعل عيسى إلها يخلق ويرزق ، ويحيي ويميت ، ويدير شؤون البلاد والعباد ، وأمر السماء والأرض ... إلخ .
لأنه في حياته عبد ضعيف ، وبعد مماته رفات موارى في حفرة من التراب ، ومؤلهو عيسى يشعرون بذلك جيدا .
ومن ثم فهم يلتمسون له القوة التي تجعل منه إلها من طبيعة أخرى غير طبيعته العاجزة كإنسان ، وذلك بالتحايل على إيجاد نسبة بينه وبين الله سبحانه وتعالى هي نسبة البنوة كأنه ولي عهد !! وزين لهم هذا التخبط أن عيسى ولد من أم فقط .
والحق أن النسبة بين الله وبين خلقه كافة هي نسبة الموجد المتفضل بالإيجاد المختار فيه أتم إختيار على عالم لم يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولاحياة ولا نشورا .
وإن كل صامت ناطق في هذا العالم يدين الله بكينونته ، وهو طوعا أو كرها يسبح بحمده ، ويذل لربوبيته !! .
والله سبحانه وتعالى قد يجعل بعض مخلوقاته أرضا وبعضها سماء ، بعضها ترابا وبعضها ذهبا ، بعضها نباتا وبعضها حيوانا ، بعضها إنسا وبعضها جنا ، فما أعلى شأنه من خلقه فهو محض فضله ، وما حدد له وضعه فهو محض حكمته ، وقد يمنح بعض البشر والملائكة مواهب تميزهم عن أقرانهم ثم يختارون رسلا لعباده .
Страница 26